معركة إضعاف بغداد بدأها الأكراد والشيعة

TT

أثناء المناقشات الأخيرة التي جرت في اميركا بين المرشحين الجمهوريين لمنصب رئاسة الجمهورية ارتأى حاكم ماساتشوستس السابق ميت رومين، حلاً للعراق بتقسيمه الى ثلاث دول: واحدة للاكراد، وثانية للسنّة وثالثة للشيعة.

وفي لقاء مع مرجع غربي متابع للشأن العراقي اعتبر ان الفكرة غير جيدة لأنها قد تؤدي الى زعزعة اكبر للاستقرار، ولأنه من غير المؤكد ما اذا كان العراقيون انفسهم يرحبون بالفكرة، لكنه استثنى الاكراد الذين صارت لهم دولة، كأمر واقع، «حتى صار العراقيون الذين يريدون التوجه الى كردستان في حاجة الى اذن مسبق، شبيه بفيزا الدخول الى الدول»، ثم ان الوضع الاقتصادي في شمال العراق هو الافضل حالياً، هناك نمو واستثمار ويبنون مطارات وفنادق، وكذلك الوضع الامني رغم ان «القاعدة» قامت اخيراً بعمليتين ارهابيتين.

ويرى المرجع الغربي ان السنّة والشيعة في العراق يقاتلون بعضهم بعضاً، وفي السنة الاخيرة، زادت نسبة العمليات المتبادلة بينهما، «لكنهما لا يرغبان في العيش في دولتين منفصلتين»، ويواصل: «لهذا فإن فكرة التقسيم لن يكون تحقيقها سهلاً خصوصاً ان الشيعة يريدون السيطرة على العراق، ويشعرون بأنهم كانوا مضطهدين في عهد صدام حسين وهم الاغلبية، ونجحوا في ترجمة تفوقهم الجغرافي الى انجازات سياسية بعد الانتخابات، لهذا يريدون كل العراق، والتقسيم لا يحقق اهدافهم، ثم لو وقع هذا التقسيم فإنه ليس بالفكرة الجيدة للشرق الأوسط، لأنه اذا تم فصل الشيعة عن السنّة فليس من ضمانة بأنهم سيتوقفون عن قتال بعضهم البعض، لذلك من الأفضل التوصل الى حل بعراق موحد، و«أظن ان الحل الافضل يكون بحكومة مركزية ضعيفة يكون لها بعض السلطات على السياسة الخارجية والامن، مع مناطق ذات حكومات محلية وبرلمانات قوية، لقد حقق الشيعة والاكراد ذلك، ويبقى على السنّة حذو حذوهما»، ويضيف: «يجب ان نضع في الاعتبار بأن عراقاً قوياً موحداً انتهى الى غير رجعة، وفي اللحظة التي اطيح بصدام حسين كانت نهاية العراق، ولا يرى الغرب زعيماً عراقياً سنياً او شيعياً قادراً على توحيد العراق والتحكم في السيطرة عليه، اليوم تسيطر الطوائف على العراق».

واذكّر محدثي بأن عبد العزيز الحكيم رئيس «المجلس الاعلى للثورة الاسلامية»، دعا الى فيديرالية في العراق، فهل هذا الحل غير مناسب؟

يقول: «ان السنّة رفضوا الفيديرالية بشدة لأنها بداية التقسيم، وهم متخوفون من البقاء خارج الثروة النفطية، ثم ان مقتدى الصدر الذي يصور نفسه كبطل قومي رفضها، وهو بعدما امضى اربعة اشهر في ايران عاد وحاول في الكلمة التي القاها في الكوفة ان يُظهر نفسه كصديق للسنّة وعرض عليهم السلم، وربما اراد تقديم نفسه ايضاً كبديل لنوري المالكي رئيس الوزراء الضعيف جداً، مقتدى الصدر بدوره رفض فكرة الحكيم».

واتوقف مع محدثي عند مقتدى الصدر فيقول، «ان الايرانيين غير قادرين على التحكم به بشكل كلي ثم انه يلعب لعبة تكتيكية، في الداخل، هو لاعب اساسي ويقوم بدور رئيسي في نشر الرعب والميليشيات التابعة له (جيش المهدي) قامت بأغلب العمليات ضد السنّة، ثم ان فرق القتل الجوالة تابعة له هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإنه يقوم بدور في العملية السياسية العراقية، امر وزراءه بالانسحاب من الحكومة لكنه ابقى على نوابه الثلاثين في المجلس البرلماني، انه يتأرجح ما بين الارهاب وما بين ممارسة العملية السياسية». ويضيف محدثي: «من الزاوية الاقليمية هو يتعاون مع العنصر الايراني، لكنه لا يقبل ان يكون اداة ايرانية، ويصرح احياناً ضد الايرانيين. انه شخصية معقدة».

ان مقتدى الصدر ليس بالسياسي اللامع، لكنه تكتيكي جيد، وليست لديه استراتيجية كما انه لا يسيطر على كل اتباعه، ثم ان الفرق المنشقة عن تنظيمه اكثر راديكالية، وكلها تحت السيطرة الايرانية عسكرياً ومالياً. وبرأي محدثي، فإن اتباعه كثر من الشباب والفقراء وهو يشكل خطراً على الاميركيين، ثم انه انتهازي وكل يوم يغير رأيه، زار ايران وبعض الدول العربية. لم يزر لبنان، انما ممثله في لبنان نشط جداً وهو «مستعد للتعاون مع اي زبون على استعداد للعب معه»، لكن هذا لا يعني انه ليس بالشخص الخطر، اذ لا يمكن توقع ما سيُقدم عليه ثم ان رتبته الدينية ليست عالية، ربما لم يصل بعد الى حجة الاسلام.

الذي يريح محدثي ان مقتدى الصدر لا يهدد آية الله علي السيستاني انما يتحداه، «فالسيستاني براغماتي مهتم بوحدة الشيعة ووحدة العراق، ولو ان السيستاني توفي ـ لا سمح الله ـ وجاء خليفته ـ احد المرشحين لخلافته محمد سعيد الحكيم ـ عندها سيكون للصدر سلطة اقوى».

واسأل محدثي، لماذا قال «لا سمح الله» في ما يتعلق بوفاة السيستاني، فيجيب: «لأنه احد اهم عناصر الاستقرار. الآن صار اضعف مما كان عليه بعد الحرب مباشرة، ورغم نفيه التدخل في السياسة، الا انه اساسي فيها، كان يلعب دوراً معتدلاً وبراغماتياً حتى ضد الصدر، ووحده استطاع ايقاف «ثورتي» الصدر، لم يستطع الاميركيون او الاطراف الشيعية الاخرى لجم الصدر وفشل اياد علاوي (رئيس الوزراء السابق) وحده السيستاني نجح. لكن، يضيف محدثي: «ان الهجوم على مسجد سامراء كان نقطة التحول الاساسية فمنذ ذلك الهجوم ازدادت العمليات الا رهابية المتبادلة بين السنّة والشيعة».

واسأله ايهما اشد فتكاً بالآخر السنّة ام الشيعة؟

يفضل المرجع الغربي ان يجيب على الشكل التالي: يمكن تقسيم الارهاب السنّي ما بين المقاومة العراقية و«القاعدة» التي جاءت الى العراق مع ابو مصعب الزرقاوي، وحالياً هناك عراقيون في «القاعدة». السنّة العراقيون (المقاومة) كانوا الاكثر فتكاً حتى من «القاعدة» التي اقدمت على هجمات ضخمة الحجم، وحصدت ضحايا كثيرين، بمعنى انها كانت اخطر.

ويوضح اكثر: «ان العنف السنّي كان اقوى خصوصاً منذ بدء العملية الاميركية الأمنية في كانون الثاني (يناير) الماضي، ذلك ان الصدر امر اتباعه بالاختباء لأنه لم يرد ان يواجه الاميركيين او ان يعطيهم عذراً للهجوم عليه. وهذا تكتيك ماهر، من هنا ظهر ان العنف السنّي اكثر فتكاً واقوى من العنف الشيعي. (اشار بعض المراقبين الى ان نوري المالكي نصح مقتدى الصدر بالذهاب الى ايران مع بدء العملية الأمنية الأميركية والطلب من اتباعه التزام الهدوء، كي لا يجد الاميركيون امامهم سوى المقاومين السنّة ليقتصّوا منهم).

في الاسبوعين الماضيين، عاد الصدر الى ممارسة الارهاب، واذا كانت نسبة الهجومات الارهابية المتبادلة بين السنّة والشيعة انخفضت في الاشهر الماضية، الا ان نسبتها عادت الى الارتفاع في الاسبوعين الاخيرين. وانطلاقاً من هذا الوضع المتدهور يرى محدثي، أن العملية الامنية الاميركية الاخيرة آيلة الى الفشل.

ومع الوصول الى الدور الايراني يقول المرجع الغربي، ان ايران تلعب لعبة مختلفة، فهي لا ترغب في تقسيم العراق وليس من مصلحتها ان يعم اللااستقرار فيه، لأنه سيؤثر على الاقلية الكردية عندها والاقلية العربية في خوزستان، حيث بدأ العرب المطالبة بالانفصال، وليس بالأمر الصعب عبور الارهاب الحدود باتجاه ايران والانتشار فيها.

ومن جهة اخرى، يضيف محدثي، ان ايران تبذل اقصى ما تستطيع لايذاء الاميركيين بعمليات «عسكرية». انها ليست متورطة بشكل مباشر، انما كل المعارضة العراقية لصدام حسين، اي ميليشيات اليوم نشأت في ايران ويأتيها السلاح من هناك، وحتى الآن لا تزال تدريبات الميليشيات العسكرية على مختلف الاسلحة، تجري داخل ايران. (هذا التدخل هو من الناحية العسكرية). اما سياسياً فإن طهران تتدخل حتى في السياسة المحلية، ففي البصرة خاصة في المجالس البلدية يجري الحديث باللغة الفارسية، فهؤلاء الافراد كبروا في ايران ويستعملون اللغة الفارسية في مداولاتهم اليومية، كما ان ايران تحاول التأثير على الوضع السياسي العراقي العام. وهي تتمدد اقتصادياً فيه عبر توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي وتجاري ونفطي، ثم انها تستعمل الحجاج الايرانيين لارسال الجواسيس والعملاء.

ولا تختلف ايران عن مقتدى الصدر من ناحية اللعبة التكتيكية، فهي على استعداد للارتباط بأي زبون مهتم، لذلك لا تحصر تعاطيها مع الميليشيات الشيعية فقط، انما ايضاً مع السنّية. ويقول محدثي: «قد لا يكون هناك منطق في هذا التعاطي، لأن همّ ايران بقاء الشيعة في السلطة في العراق، فهي تدعم بقوة حكومة المالكي في حين ان الدول العربية السنية لا تحب المالكي وتقاطعه، لكن ايران تريده على رأس الحكومة، لكنها لا تعارض ان يقوم السنّة بشن عمليات ارهابية ضد الاميركيين لهذا هي تدعم بعضهم، وعبرهم تشجع على استمرار اللااستقرار في العراق. ايران غير مهتمة باستقرار كامل في العراق بوجود الاميركيين.

ربما تشجيع اللااستقرار للتعجيل في الانسحاب الاميركي اقول، فيجيبني محدثي: «لا اعتقد ان ايران يهمها انسحاب اميركي سريع، كما انها غير مهتمة بانسحاب اميركي غير منظم خوفاً من عبور حالة اللااستقرار حدودها، هي تدرك انه على المدى البعيد، فإن اميركا ستنسحب من العراق من دون اخذ كل ما تريده، وهذا سيعود بالنفع على ايران، ثم يجب الا ننسى ان ايران باقية في المنطقة وليس اميركا، وهي (ايران) بقدر ما تحقق من نفوذ اليوم ستستفيد منه في المستقبل واذا ظلت على علاقات جيدة مع الشيعة، فإن ذلك سيعود بالنفع عليها.

في الاسبوع المقبل، ابعاد الاستراتيجية الايرانية بعد العراق، والحوار الاميركي ـ الايراني الى طريق مسدود.