العرب محتاجون إلى طريق رابع

TT

أجلس في رام الله في مؤسسة ياسر عرفات استمع لناصر القدوة، وزير الخارجية الفلسطيني السابق، يتحدث عن مجتمع فلسطيني «يتحطم» من حوله.

والأمر الذي يؤلمه اكثر من أي شيء آخر، كما يوضح، ان العديد من جيرانه اليوم والذين لديهم المال والخبرة او جواز السفر الاجنبي يهربون للغرب او الخليج. وخلال حديثه تبادر الى ذهني مثل قديم ـ ينطبق اليوم على العراق ولبنان وفلسطين «الرجاء من آخر شخص يُغَادِرْ إطفاء الضوء».

وقبل ايام كتبت عن الكيفية التي تبحث بها اسرائيل عن «طريق رابع» بعد انهيار استراتيجية اليسار الاسرائيلي، الأرض مقابل السلام، واستراتيجية اليمين باستمرار الاحتلال، والطريق الاسرائيلي الثالث، وهو استراتيجية الانسحاب من طرف واحد. وفي الواقع يحتاج العالم العربي الى طريق رابع.

لقد جرب العرب الناصرية أي الوطنية السلطوية ولم تنجح. وجربوا العديد من الاشتراكيات العربية ولم تنجح، بل انه جُرب بن لادن. لقد كان بن لادن هو الاصبع الذي وضعه العديد من العرب في عيون الغرب وأنظمتهم المكروهة. ولكني اقول ان البنلادنية والأفكار الجهادية المنبثقة عنها ماتت في العراق. نعم لا يزال لديها بعض الملتزمين، ولكنها فقدت بريقها الثوري، لأنه تبين انها ليست إلا مجرد ثقافة موت.

وبالنسبة لي اليوم الذي ماتت فيه كان 24 مايو (أيار) 2007، في الفلوجة بالعراق. لماذا؟ لانه في هذا اليوم، قتل 27 شخصا عندما هاجم انتحاري في سيارة جنازة علوي العيساوي، وهو مقاول محلي، قتل في وقت سابق. وطبقا لرويترز «سار المشيعون يحملون كفن العيساوي وقاد الانتحاري سيارته في اتجاه المشيعين وفجر نفسه».

فكر في ذلك. لا ـ فكر فيه: انتحاري مسلم يفجر نفسه في جنازة مسلم. هل هناك اسوأ من ذلك؟ ولكن هذا هو ما اصبح عليه بن لادن والجهاديون: إنهم عدميون مسؤولون عن قتل مزيد من المسلمين اكثر من أي شخص آخر في العالم اليوم، وبلا ادنى اهتمام بالحكم، بل في جعل الحياة غير قابلة للسيطرة.

ولكن مَنْ الذي يقدم الطريق للأمام؟ الآن، افضل ما يمكن ان يأمل فيه العرب هو نظم ملكية عصرية مقبولة مثل الاردن وقطر ودبي والامارات العربية. ولا يمكنني رؤية أي تقدم علماني ـ طريق رابع ـ يتبلور في الدول العربية الكبرى مثل مصر وسورية والجزائر والعراق، أي تقدمية تروج بفاعلية لمزيد من حكم القانون والاندماج الدولي والانتخابات الحزبية وتمكين المرأة والتعليم العصري لوضع اساس الحكم المقبول. فمصر أجرت انتخابات عام 2005، وايمن نور المرشح الذي تجرأ على ترشيح نفسه ضد الرئيس مبارك، ألقي به في السجن بتهم مزورة.

كما انني لا ارى تبلور طريق رابع ديني ـ اسلام تقدمي كما تطرحه الاحزاب الاسلامية الكبرى كحماس وحزب الله والإخوان المسلمين. لقد حصل حزب الله على مقاعد في الحكومة اللبنانية ثم بدأ بشن حربه الخاصة ضد اسرائيل، برؤية هائلة.

ويشير محلل شؤون الشرق الاوسط، فواز جرجس، في مقال اخير صدر في yaleglobal online «للاسف لم يقدم الاسلاميون الأساسيون الرؤية ولا المبادرة لتشكيل تحالف من القوى الاجتماعية وتحويل المجال السياسي. وهو يسلحون انفسهم بشعارات جوفاء «الاسلام هو الحل». وأوضح انه لا غرابة في ان المواطن العربي اصبح رافضا لحكامه والمعارضة «التي تتعهد بالسماء ولا تقدم إلا الغبار».

ولكن منذ استخدمت الاحزاب الاسلامية المساجد واستخدمت النظم السلطوية الرأي العام، فإن أي شخص يحاول تقديم طريق رابع «يتنافس إما مع الله وإما الدولة ـ وبين الله والدولة ما هي المساحة المتروكة للديمقراطيين العلمانيين؟ كما يسأل خبير الاستطلاعات الفلسطيني خليل الشقاقي.

لا يمكن ان تنمو هنا الا الاعشاب ـ اعشاب عدمية صغيرة، مثل فتح الاسلام في لبنان او القاعدة في بلاد الرافدين في العراق او الجهاد الاسلامي في غزة، وهي مستمرة في النمو.

ويضيف القدوة «اصبح الآن في امكان 5 اشخاص يرغبون في العمل معاً ويعتقدون بإمكانية الحفاظ على اسم الله ولديهم بعض الاسلحة تشكيل جيش. لقد اصبح المال في كل مكان. لا توجد اموال للاشياء المطلوبة، ولكن هناك الكثير من الاموال لتمويل الجماعات المسلحة».

وهذا هو السبب في ان الاشخاص الجيدين، ولا سيما خريجي الجامعات يتركون المنطقة. وليس لديهم قدوة. والأمل الوحيد في عودتهم او خروجنا من العراق ـ بدون ترك المنطقة للعناصر الاكثر عدمية ـ هو طريق عربي رابع. ولكن يجب ان يأتي من بينهم ـ وفي الوقت الراهن لا يحدث ذلك لا داخل العراق ولا خارجه.