أحجية السنوات الخمس بين العرب وإسرائيل

TT

حقيقة لقد انقلبت الأوضاع ، وانتقصت المعايير، وزيفت الحقائق، وأصبح الكيل بمكيالين سمة التعامل مع القضايا السياسية الدولية، خاصة إذا كان العرب وإسرائيل هما طرفيها..!

أليست هذه صورة الواقع العربي الإسرائيلي الآن.. ؟!

الفلسطينيون ليس من حقهم الدفاع عن أنفسهم، وليس من حقهم ممارسة المقاومة الوطنية، فاللجنة الرباعية الدولية المشرفة على عملية السلام أدانت الفلسطينيين، واتهمتهم بإعاقة عملية السلام، هكذا رأت..؟!

النتيجة الطبيعية لتحيز اللجنة الرباعية الدولية لجانب إسرائيل، ومطالبة الفلسطينيين بتقديم تنازلات من اجل السلام، رغم أنه لم يعد لديهم شيء يتنازلون عنه، والضغط المستمر على القيادات السياسية الفلسطينية أدى إلى الارتباك والتخبط مما أوجد المواجهة الفلسطينية الفلسطينية، وأصبحت الساحة السياسية الفلسطينية غير قادرة على تحمل اختلافات وجهات النظر بين الفرقاء، وهو الأمر الذي كانت تسعى إليه إسرائيل من اجل التنصل من أية التزامات تعهدت بها في أية من الاتفاقيات الكثيرة، التي قيل انها مبادرات من اجل السلام.

استمرار العدوان الإسرائيلي اليومي المتعمد على الفلسطينيين، ليس إلا ستارا للتنصل من المبادرة العربية التي تمثل الشرعية الدولية.

إذن فلابد من مبادرة جديدة أمريكية أو إسرائيلية تلغي حقوق الفلسطينيين من صلب المبادرة العربية، وتقدم وعودا جديدة لدولة فلسطينية مستقلة محاطة بسور مثل سور برلين بعد خمس سنوات، أي بالمفهوم والنسق الإسرائيلي!

وتأكيدا لذلك رفضت إسرائيل المبادرة العربية بدبلوماسية، والمطالبة بوضعها على مائدة البحث والتفاوض..

لكن أولمرت رئيس الوزراء قال متداركا.. التفاوض ممكن لكن لا للانسحاب من القدس ولا لعودة اللاجئين ولا للرجوع إلى حدود 1967 .

وكما هي العادة لم تتأخر واشنطن عن مساندة إسرائيل حتى لو كانت المساندة على حساب السلام، فصرح المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية شون ماكورماك بأن رد إسرائيل على المبادرة العربية للسلام رد إيجابي، وهو ما يعني رفض واشنطن للمبادرة العربية.

في أعقاب انعقاد قمة مدريد في أكتوبر عام 1991 من أجل السلام في الشرق الأوسط وحل النزاع العربي الإسرائيلي، كتبت مقالا قلت فيه إن إسرائيل لا تريد السلام لأنه يقف في طريق أطماعها التوسعية، لكن واشنطن في تلك الفترة بالتحديد رأت أن تعطي شيئا للعرب كمكافأة لهم على موقفهم من حرب الخليج الثانية والتي تسببت فيها واشنطن لإنقاذ اقتصادها الذي كان على وشك الانهيار، وكان هذا الشيء حكما ذاتيا اسما في غزة واريحا.

وبدأت المفاوضات على أمل أن تنتهي بعد خمس سنوات..؟! ويتم الإعلان عن دولة فلسطين، وتكون البداية «غزة وأريحا» أولا.

وأعاقت إسرائيل سير المفاوضات على الجوانب الثلاثة السوري واللبناني والفلسطيني، فاضطر الفلسطينيون إلى عقد اتفاقيتي أوسلو ( أوسلو واحد عام 1993 ثم اتفاقية القاهرة ثم أوسلو الثانية عام 1995 )، على أن يبدأ الحكم الذاتي الفلسطيني الكامل ثم يتم إعلان قيام الدولة الفلسطينية بعد خمس سنوات..!

وحل عام 2000 من دون أي تقدم، بل ازدادت أوضاع الفلسطينيين تدهورا، ثم كانت كارثة 11 سبتمبر، وتغير الكثير من المواقف، وفي محاولة من واشنطن لتحسين موقفها أمام العالم العربي، أعلنت الإدارة الأمريكية بعد مفاوضات متفرقة عن مبادرة «خريطة الطريق» وتعهد الرئيس بوش الابن بإعلان قيام دولة فلسطين عام 2005، أي بعد خمس سنوات..؟!

ونحن اليوم في عام 2007، ولم يحدث أي تقدم في عملية السلام المزعومة، ولن يحدث، لأن السياسة الإسرائيلية قائمة على رفض السلام المطلق لحين بلوغ وتحقيق كل الأطماع الصهيونية.

وفي خطوة تكتيكية أعلن رئيس وزراء إسرائيل استعداده للمشاركة في قمة إسرائيلية عربية لبحث ومناقشة المبادرة العربية، وهي محاولة إسرائيلية لفرض بعض الشروط الإسرائيلية، وضرب الإجماع العربي، وتصنيف الدول العربية بين معتدلة ومتشددة لإيجاد توتر فيما بينها، ثم تغيير مسار المبادرة والدفع بها إلى متاهات المفاوض الإسرائيلي، ووعود جديدة بخطط خمسية لن تنتهي.

واليوم بعد مرور ستة عشر عاما اكرر القول إن إسرائيل لا تريد السلام، لأنها لم تحقق أهدافها الاستراتيجية وأسباب وجودها في المنطقة، كما أنها لا تريد السلام، لأنه إذ ما تحقق، تفكك المجتمع الإسرائيلي الهش المتنافر المتعدد الجنسيات، وسقطت أهم شعاراته (العودة من الشتات)، فالرابط بالأرض بقاء حالة الحرب والتوتر داخل المجتمع الإسرائيلي ومن حوله.

الآن نحن في منتصف عام 2007 وعلينا أن ننتظر عددا من المتغيرات من أهمها انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة، وتوقف الحياة السياسية الدولية، حتى يجلس القادم الجديد على عرش البيت الأبيض، ويتم ترتيب القضايا الدولية والإقليمية حسب أهميتها من المنظور الأمريكي، وعندما يأتي الدور على قضية الشرق الأوسط لإعادة الطرح، سيكون الوعد بخمس سنوات، ولينتظر الاستنزاف العربي حتى عام 2010، لبعد مونديال كأس العالم في جنوب أفريقيا.

* كاتب مصري