أنصفوا هذا العضو

TT

هناك ظلم بين أعضاء جسم الإنسان تتحمل القدم شر تعسفه. ولما كنت واحدا ممن كرسوا حياتهم لمقارعة الظلم، فلا بد لي أن اجرد قلمي وأنبري لمناصرة هذا المظلوم، القدم. اعتدنا على اسناد كل منجزات الإنسان الى رأسه وإسناد كل عيوبه الى قدميه. جل ما سجله ديفد بكم من أهداف كان بقدمه اليمنى، ومع ذلك تسمع المعلقين يقولون ان ديفد بكم يلعب برأسه. لا يقصدون بذلك قدرته على نطح الكرة وإنما يعنون انه يستعمل دماغه في اللعب. كل تلك الأهداف الرائعة التي سجلها بقدمه ينسبونها الى رأسه. أي ظلم بعد هذا الظلم.

على نقيض ذلك يقولون ان صدام حسين كان يدوس على شعبه بقدميه. كل الناس يعرفون ان ما فعله قام به برأسه وتفكيره، وقدماه بريئتان منه براءة الذئب من دم يعقوب. أي شيء سلبي وحقير ووضيع ننسبه الى القدم. حتى المرحاض تسمع بعض العراقيين يسمونها «قدم قاع». ما علاقة القدمين بقضاء الحاجتين؟ أسألكم بالله.

وعندما نفكر بتاريخ المدنية والحضارات نجد أنها بصورة واضحة مدينة لا الى الأدمغة الجبارة أو المواهب النادرة كما يدعون، وإنما الى القدمين، فلو لم يقض سقراط ايامه يتجول في الأسواق يحاور الناس لما حصلنا على الفلسفة اليونانية. ولو لم يمش المتنبي من الكوفة الى حلب ومن حلب الى مصر ومن مصر الى ايران لما حصلنا على قصائده الخالدة. بل قل لما قامت المدنية الإسلامية برمتها. فكلها تعود الى اقدام العرب الذين ساروا من مكة الى المدينة و من المدينة الى بلاد الروم وفارس.

القدم هي عماد المدنية، ولكن الرأس والصدر واليد اغتصبت منجزاتها وثمرة جهودها ضمن كل عمليات الاستغلال والاغتصاب التي تميز بها الإنسان طوال تاريخه. هكذا راح البشر يضعون التيجان على الرأس والأوسمة على الصدر والأساور والخواتم على اليدين والأصابع ويتجاهلون كليا دور القدمين. وأكثر من ذلك يعاقبونهما بحبسهما في هذه الأداة البغيضة التي يسمونها جزمة وكوندرة.

كلما قام الفرد بشيء مفيد ورائع كافأوا رأسه او صدره او كتفيه او رقبته بالأكاليل والأوسمة. وكلما جاء بأفكار متطورة او نادى بالإصلاح عاقبوا قدميه بتعليقهما من السقف او ضربهما بالعصا او كيهما بالكهرباء. ينسون الرأس واللسان المسؤولين عما قاله ويعاقبون القدمين البريئتين. وفي كل هذه المباريات النهائية التي جرت مؤخرا رأينا كيف ضجت الأيادي بالتصفيق وعلقت الميداليات على الرقاب ورفعت الكؤوس على الرأس، بل وكوفئت حتى المعدة والمصارين بأطيب المشروبات والمأكولات ونسي القوم كليا العضو الوحيد المسؤول عن النصر وتسجيل الهدف الحاسم. لم تحظ القدم حتى بصابونة تغسل بها أصابعها. آه، قتل الإنسان ما أظلمه.