النزوح في القرن الحادي والعشرين

TT

اليوم، نواجه ما قد يثبت أنه أضخم تحديات القرن. فما يقارب 40 مليون شخص في العالم تشردوا وأجبروا على الفرار بسبب العنف والاضطهاد. ويبدو أن المستقبل سوف يشهد أعداداً متزايدة من الأشخاص المرتحلين. العديد من هؤلاء سيرحلون بحثاً عن فرص اقتصادية وعن حياة أفضل أو انهم سيهربون من جراء الانحدار البيئي أو الكوارث الطبيعية. وآخرون سوف يضطرون الى الفرار من دول تنهار بسبب العنف والاضطهاد.

لقد أمضيت الأيام القليلة الماضية في السودان، البلد الذي يعد قلب أحد مراكز النزوح العظمى على مستوى العالم، وشاهدت منذ الوهلة الأولى العذابات الرهيبة التي يتكبدها الإنسان العادي هناك، ولكنني شاهدت أيضاً بعض إشارات التقدم المشجعة.

إن الآمال في أن تؤتي العولمة بشكل طبيعي نمواً منتظماً، وأن تضيق في الوقت عينه الفجوة بين الأغنياء والفقراء، لم تتحقق بعد. ففي الوقت الذي ازدادت فيه بالفعل التجارة العالمية والثروة، نجد أن الفجوة بين أغنياء وفقراء العالم في اتساع، دافعة بالمزيد من البشر الى التنقل والوقوع فريسة مجموعات من المبتزين الذين تقدر أعمالهم الجديدة المرتكزة على الاتجار بالبشر وتهريبهم بمليارات الدولارات في العالم.

ويعود حدوث الكوارث الطبيعية المتكررة بشكل متنام الى التغيير المناخي والأضرار التي تصيب البيئة، مع ما يترتب على ذلك من نتائج إنسانية مأساوية.

إن جميع النماذج المختلفة من تأثيرات التغير المناخي تعطي صورة مقلقة للنزوح الإنساني، وتعد شرق أفريقيا مثالاً واضحاً على ذلك، حيث تشير جميع التغيرات الى أن عملية التصحر سوف تتسع بطريقة منتظمة ما يفاقم الصعوبة في كسب العيش ويدفع الى المزيد من الهجرة. وكل ذلك في ظل غياب القدرة الدولية والتصميم على التصدي له.

ولكن الناس يفرون أيضا من جراء الحروب والاضطهاد. وحتى مع وجود الكثير من الانذارات المبكرة، فشل المجتمع الدولي مراراً في تجنب وقوع الصراعات. وبدلاً من ذلك، تركت المنظمات للتعامل مع النتائج الإنسانية لهذه الصراعات.

إن تجنب الصراعات ممكن وهو أكثر فعالية، إلا انه يتطلب الحكمة والجهود السياسية والدبلوماسية، وبذل المزيد في سبيل القضاء على الأسباب الجذرية لها، بما في ذلك الأسباب الاجتماعية والاقتصادية.

تشكل أزمة دارفور في السودان خير مثال على تلك التعقيدات، فلهذا الصراع جذور سياسية، لكنه أيضاً صراع يذكيه التنافس المتزايد بين الرعاة النمطيين والمزارعين على الموارد النادرة وبصفة خاصة على الماء. وعندما تنسب التوترات السياسية الى هذه العوامل تكون النتائج كارثية.

إن المفهوم الحديث نسبياً للتدخل الإنساني يفيد بأن على الدول واجب حماية مواطنيها، وإذا لم تستطع أو لم ترغب هذه الدول بالقيام بذلك، عندها على المجتمع الدول أن يتدخل. اليوم، وفي أعقاب أحداث العراق، بدأت فكرة «مسؤولية تقديم الحماية» دولياً تفقد جدواها، إذ أنه من العسير جداً مساعدة أناس نزحوا داخل بلدانهم والذين لا يشملهم القانون الدولي. ومع ذلك، هناك أشياء جيدة أيضاً، كما هو الأمر هنا في أقاصي جنوب السودان، حيث عشرات الآلاف من اللاجئين السودانيين يختارون العودة الى وطنهم المدمر بعد عقود من الصراع. ورغم عدم الإعلان عن ذلك على نطاق واسع، فإن العديد من السودانيين يعودون لديارهم من مخيمات اللاجئين في أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا بمساعدة الأمم المتحدة، وآخرون يعودون من منفاهم في ليبيا ومصر، كما من مناطق أخرى داخل السودان. وكما هو حال جميع الذين اضطروا الى الهرب من العنف والاضطهاد، فإن الكثير من أهل جنوب السودان حلموا بالعودة الى البيت والوطن بالرغم من المصاعب والخوف من المجهول.

وللاحتفال بيوم اللاجئ العالمي (20 يونيو) أنضم الى السودانيين من الجنوب وهم في طريق عودتهم من أوغندا لبداية حياة جديدة. ولكن انتهاء النزاعات والصراعات وعودة اللاجئين الى أوطانهم لا يعنيان بالضرورة نهاية لمشاكلهم. فحوالي خمسين بالمائة من الدول التي خرجت من دائرة النزاعات أو الحروب في الأعوام القليلة الماضية ما لبثت أن تجدد فيها الصراعات لتذكر بأهمية مواجهة التحديات الراهنة المتزايدة التعقيد والتي تدفع بالعديد من الناس إلى ترك أوطانهم ومنازلهم، بأسلوب شامل.حان الوقت لإدراك أننا في القرن الحادي والعشرين أمام نموذج جديد من النزوح. لا إجابات سهلة، ولكن وبينما يحاول المجتمع الدولي معالجة جذور الأسباب التي تؤدي الى النزوح فان المطلوب بذل جهود أكبر لحماية الأكثر ضرراً وبناء فرص جديدة لمستقبلهم.

* المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين