سموم السوسن «البرية»

TT

سوسن صفا درويش مقدمة نشرة الأخبار الرئيسية على شاشة محطة «ان.بي.ان» الفضائية اللبنانية، التي تعود ملكيتها لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، والمحطة التي تستخدم ثلاثة حروف لاتينية للتعريف بهويتها وهي NBN، وهذه الحروف ممكن أن تقرأ كما هو معروف رسميا باسمها «ناشونال برودكاستنج نتورك» بمعنى الشبكة الوطنية للارسال، أو ممكن استخدام نفس الحروف، لتتم قراءتها نبيه بري نتورك، أي شبكة نبيه بري، هذه المذيعة قامت بالتعليق على اغتيال النائب وليد عيدو بدون أن تدرك أنها على الهواء فقالت: إنها تعد من اغتيلوا.. وأنهم تأخروا حتى اغتالوه، وأنها في انتظار «اغتيال» النائب أحمد فتفت أيضا، حقيقة يجب شكر هذه المذيعة لأنها «بقت البحصة» كما يقال بالعامية اللبنانية، وأخرجت ما في نفسها بصراحة تامة وبدون تجميل، ولكن تبقى هناك تساؤلات واستفسارات غامضة بحاجة لتوضيح.

صحيح أن المحطة قامت بفصل المذيعة، وقامت بتقديم بيان توضيحي واعتذاري، إلا أن المؤكد أن المحطة كانت تدرك تماما موقف المذيعة (وغيرها من العاملين بها)، إلا أنه يبدو أن المحطة قامت بفصلها من باب (ولو، هيك أمور مابينحكي فيها عالهوا!).

رأي المذيعة ورأي العاملين فيها تبقى مسألة، سواء أكان ذلك قيل على الهواء أو في كهوف وأقبية، المعضلة الأكبر أن هذه المحطة تمثل «توجه» مالكها والذي هو رئيس لمجلس النواب اللبناني، والذي على الأقل ومن الجانب النظري البحت، ينبغي أن يكون ممثلا عادلا وشاملا لكافة اللبنانيين وبدون استثناء، وأن يعلو فوق مستوى الصغائر والسفاسف من الأمور والمسائل، والإشكالية الأكبر أن موقف هذه المذيعة (وهذا موقف وليس زلة لسان، كما يحاول البعض أن يلطف منه) هذا الموقف هو متناغم تماما مع الموقف الرسمي، الذي يتخذه رئيس المجلس النيابي نفسه، وتفضيله البقاء في داره، وهو يستقبل زواره الرسميين وغير الرسميين، ويلتقط معهم الصور التذكارية، بدلا من تفعيل دوره ودور المجلس الخطير، وتنفيذ جزء بسيط من مجموعة المهام والاستحقاقات المنوطة به، وهي تتراكم الواحدة تلو الأخرى.

صحيح أن لبنان بلد طائفي بامتياز، وأن لكل طائفة ناديا رياضيا وصحيفة ومطربا ومطربة، وطبعا محطة فضائية خاصة، وأن المخالفات والتجاوزات لم تسلم منها أي طائفة.. هذا صحيح، ولكن أن يتم شل البلد من جهة، وتزكى أخباره بالسموم والنعرات والأماني والعد التنازلي، فهذه مساهمة فعلية وعملية شديدة الفعالية لتأجيج الفتنة وتدمير البلاد.

إعلام لبنان العظيم الذي ولد نماذج شامخة للأصالة والإباء، إعلام غسان تويني وجبران تويني وسمير قصير وكثيرين غيرهم، كيف وصل الحال لأن تكون واقعة سوسن درويش تروى من أهم أحداثه، إلا إذا كانت سوسن لم يزل لسانها ولم تخطئ القول. والرأي لكم وفهمكم كاف!