الشرق الأوسط يشتعل

TT

غريب أمر منطقة الشرق الأوسط، فهي، خلافا لكل مناطق العالم في كثير من الأحيان، أشبه بمسرح عرائس يمسك بخيوطه لاعبون من وراء الستار يحركون دمياتهم لتصطدم ببعضها البعض محدثة دمارا وعبثا كبيرا ضحيته الأولى شعوب المنطقة، بينما تبدو القوى المتصارعة أشبه بالديوك المتصارعة المستعدة للعب على أجندات ليست أجندتها، محتمية بشعارات كبيرة تضلل بها الجمهور، وأسهل الأشياء رمي المسؤولية على إسرائيل وأميركا حتى لو كان الاقتتال داخليا وأدواته محلية وكان هؤلاء مسلوبي الإرادة أو ان هناك أحدا نومهم مغناطيسيا.

مثال على هذا عملية إطلاق صورايخ الكاتيوشا على شمال إسرائيل يوم الأحد، فلا يوجد هدف من وراء ذلك يخدم مصلحة الفلسطينيين الغارقين في أزمتهم الداخلية أو اللبنانيين الذين يواجهون حروبا من كل نوع، ومن السهل استنتاج أن المجموعة التي نفذت هذه العملية هدفها مجرد إشعال الموقف لإغراق المنطقة في المزيد من الفوضى والأزمات وجر الجميع الى أزمة لم يحسبوا حسابها أو هم حتى قادرون عليها.

وعلى مدار تاريخ المنطقة الحديث هناك الكثير من هذه الأحداث التي تشعل فيها مجموعات صغيرة أزمات كبيرة، والأدهى أنه في أغلب الحالات ينجر الجميع الى المصيدة ليكونوا وقودا لها يدفعون ثمنها ويدفع الناس معهم الثمن أكبر من حياتهم ومعيشتهم وبعدها بفترة ينسى الجميع لماذا كيف ولماذا بدأت الأزمة أصلا.

ويبدو أن مسرح العرائس هذه المرة في أوج نشاطه، فالأزمات يتوسع قوسها في المنطقة من الفتنة في العراق الى الأراضي الفلسطينية التي أصبحت مقسمة فعليا بين حكومتين، الى لبنان الذي يخوض حرب مخيمات مع جماعات أصولية ظهرت كالفطر مرة واحدة وبدت شديدة القوة والتسليح لدرجة ان الجيش لا يزال رغم مرور أسابيع عديدة يحاول حسم المعركة في نهر البارد.

وفي الأراضي الفلسـطيـــنية أصبحنا أمام واقع جديد يبدو أن الخروج منه لن يكون سهلا مع الانقلاب الذي نفذته حماس في غزة وقيام حكومة أخرى معترف بها سيطرتها الفعلية تقتصر على الضفة، وبينما كانت كل البيانات الصادرة إقليميا ودوليا خلال السنوات الماضية عادة ما كانت تتم الإشارة فيها عبر الحديث عن جهود السلام والمفاوضات، أن الهدف هو حل الدولتين، أي قيام الدولة الفلسطينية بجوار الدولة الإسرائيلية، فقد تصبح النكتة واقعا في ضوء هزلية الأوضاع، وهي أن يأتي أحد ليطرح حل الثلاث دول، والواقع ليس بعيدا عن ذلك، فالتقارير عما يدور في أروقة عواصم صنع القرار تتحدث عن تفكير ـ ليس بإنشاء دولتين ـ ولكن بترك غزة لحماس وتقوية فتح والسلطة في الضفة الغربية، ومن يعرف الى أين سيقود ذلك.. العودة الى وضعية ما قبل حرب 1967 مثلا؟

أما العراق فحدث ولا حرج عن الفتنة التي تهدد بأكل الأخضر واليابس مع سيطرة النفس الطائفي وأصحاب العمائم على القرار السياسي، ومع تهميش شديد لقوى المجتمع المدني والسياسيين الذين يرفضون التقسيمات الطائفية. ورغم أن الجميع ينتقد الطائفية، إلا أن المشهد مستمر وبقوة شديدة بما يهدد المنطقة كلها.

ولا توجد وصفة سحرية لوقف هذا الحريق،فمهما قيل من كلمات ونوايا حسنة، فإن الأفعال تجب الأقوال، ولن يتوقف هذا الاشتعال إلا بظهور فكر وقيادات قوية محلية تستطيع أن تأخذ الناس بعيدا عن التعصب والشعاراتية وتضفي قدرا من العقلانية في المسرح السياسي.