الصين: الأولمبياد.. والتهديدات بالمقاطعة

TT

بعض الدول تستضيف الألعاب الأولمبية باعتبارها ظهورا على المسرح العالمي. واستخدمت اليابان، الصاعدة اقتصاديا، أولمبياد طوكيو عام 1964 بمثل هذه الطريقة. وهكذا فعلت كوريا الجنوبية عام 1988. أما الصين فمختلفة كالعادة. فالمملكة الوسطى ستستضيف أولمبياد 2008 من أجل ان تجلب العالم الى المسرح الصيني.

وبالنسبة للحزب الشيوعي الحاكم فإن كل ما يهم هو كيف أن الألعاب والهيبة الدولية التي يمكن أن تجلبها للمنظمين ستؤدي الدور لسكان البلاد البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة. ويتعين على الدول الأخرى أن تحفظ في ذهنها ذلك الفرق وهي تحدد كيفية التعامل مع الصين في الاستعدادات للأولمبياد في أغسطس (آب) 2008، وهذه ليست مهمة يسيرة.

وتظهر زيارة الى منطقة البناء في ضواحي بكين ان مسؤولي الحزب اتقنوا التحديات المادية الأولية لإقامة بنية تحتية تبلغ قيمتها 49 مليار دولار في غضون أشهر. فقد اتخذ ملعب رياضي مبتكر يرتفع بإطارات مشبكة من الفولاذ شكل عش طائر، وهناك مركزان للألعاب المائية الرياضية وتسهيلات اخرى تقترب من الاكتمال قبل الموعد المحدد لها.

كما أن رد الفعل المحتمل على التحدي السياسي غير واضح. وقد طرحت تهديدات تسعى الى مقاطعة الولايات المتحدة للألعاب بسبب موقف الصين تجاه أزمة دارفور في السودان من جانب عدد من المرشحين الديمقراطيين للرئاسة ومن 108 أعضاء في الكونغرس في رسالة الى الحكومة الصينية ومن طائفة من مشاهير هوليوود ممن تحدثوا الى وسائل الاعلام.

موقفي المعتاد هو تأييد ممارسة الضغوط على قادة الصين، خصوصا لحملهم على الاعتراف بالوحشية التي تعاملت بها السلطات مع مظاهرات ساحة «تيان آن مين» عام 1989، فضلا عن حملهم على المضي قدما في الاصلاحات الديمقراطية وإنهاء الفساد، وهو ما طالب به المتظاهرون. يجب الإبقاء على حظر السلاح والحظر التجاري لتذكير الحكومة الصينية بالتزاماتها تجاه شعبها.

إلا ان التهديدات بعرقلة دورة الألعاب الاولمبية العام المقبل ـ خصوصا بشأن قضايا لا تتعلق بحقوق الإنسان في الصين ـ ربما لا تكون أداة ذات فائدة لفرض الضغوط الجديدة. هذه فرصة نادرة لتعزيز مصالح الشعب الصيني الذي عانى قرونا من الحكم الجائر والفساد والذل من جانب الحكام الصينيين والأجانب.

سيستخدم القادة الصينيون أي موقف خارجي في إثارة المشاعر القومية والإلقاء باللائمة على الدول الأخرى التي تتخذ هذه المواقف. ويمكن القول هنا إن النهج المناسب في هذا السياق هو أن يسمح للضغوط التلقائية ان تفرض نفسها داخل الصين.

حتى باو تونغ، المسؤول الحزبي السابق وأبرز المعارضين الصينيين في الداخل حاليا، لا يؤيد مقاطعة الاولمبياد في ظل الظروف الحالية. فقد قال لي في حديث معه في الآونة الأخيرة: «دورة الألعاب الاولمبية المقبلة ستجلب المزيد من الأمل، حتى اذا كان هناك المزيد من القمع. سيطرة الشرطة ستزداد بغرض الوقوف في وجه اتصال الصينيين بمئات الآلاف من الأجانب الذين سيحضرون لمشاهدة الأولمبياد. ستكون هناك قيود مشددة على وسائل الإعلام الداخلية. الاولمبياد سيسمح بإطلاع الشعب الصيني على المزيد من المعلومات حول العالم الخارجي. على العموم الايجابيات ستكون اكثر».

قيل إن الصين ستحاول الانتقام من التاريخ بعد قرون من الخزي والعزلة. فيما دول اخرى ـ مثل روسيا فلاديمير بوتين ـ ستسعى الى الانتقام بصورة محددة ضد جيرانها او ضد الاميركيين او الاوروبيين بصورة عامة.

الانتقام الموجه الى المفاهيم الميتة أفضل من الانتقام الموجه ضد شعوب او اشخاص. يجب ان نتوخى الحذر تجاه اتخاذ اجراءات من المحتمل ان تغير هذه الصورة.

* خدمة «كتـّاب واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الاوسط»