الراحة والارتياح!

TT

فرق كبير بين الراحة والارتياح.. بقرص أسبرين يذهب الصداع، ولكن الدماغ لا يعرف الراحة.. بحبة منومة يجيء النوم ويستريح الجسد، ولكن العقل لا يعرف الارتياح..

بكلمة حلوة تجف دمعة، ويلتئم جرح، ولكن راحة القلب لا تجيء.. وكان آلهة الأغريق يحولون أنفسهم من آلهة إلى حيوانات أو من حيوانات إلى بشر، على سبيل التغيير..

ومن يقرأ قصص آلهة الأغريق يجد أنهم أكثر عذاباً من البشر، لأنهم في غاية القلق وعدم الرضا عن حالهم. ترى الواحد منهم طائراً في الهواء فيجد أحد رعاة الغنم تحت شجرة فيحسده على ما هو عليه.. مع أن هذا الراعي قد نام على التراب، وتوسد الحجارة، وغطته أوراق الشجر، وهبت عليه رائحة الأغنام.. فإذا بهذا «الإله» يجعل نفسه ذئباً ويعوي فيفزع الراعي، وتنفر الماشية، ثم لا يجدون أحداً!

وكما يكون التعب تكون الراحة منه.. فالذي يتعب قدميه من المشي، فراحته أن يمدد ساقيه.. والذي يتعب من الأرق، راحته أن ينام.. والذي يتعب من الكلام فراحته أن يسكت أو يستمع إلى من يقول له.. أو أن يقرأ كلاماً أجمل وأمتع من الذي يقوله أو يسمعه..

إلا الارتياح.. فأنت تجده عندما تقول كلاماً من أعماقك.. أو تسمع كلاماً من وجدان أحد.. أو عندما لا تقول ولا يقال لك شيء.. أو عندما لا تسمع أو يسمعك أحد.. أي عندما تكون في حالك.. على راحتك.. على حريتك.. لا يهزك الناس ولا تهزهم.. أي عندما يسكت كل شيء حولك أو في داخلك.. أي أن تكون في حالة من الغنى بالنفس والغنى عن الناس..

ولذلك فأروع أوصاف أهل الجنة والنعيم هي التي جاءت في القرآن الكريم.. يقول الله تعالى: «لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما» صدق الله العظيم..

أي أنك في الجنة لا تسمع فيها كلاماً فارغاً فأقصى كلماتهم أن يقول لك الواحد: سلام عليكم فتقول له: وعليكم السلام..

فإذا جاءت نسمة ارتياح واحدة فهي رائحة الجنة قد هربت من ثقب الباب الذي يقف عليه سيدنا رضوان.. ومن النادر أن يحدث ذلك في هذا الزمان!