حماس وفتح.. حرب الجينز والأقنعة

TT

لكل حرب صورة ترمز لجوهرها، والحرب الأهلية الفلسطينية في غزة ليست استثناء. والصورة التي ارشحها، هي صورة مقاتل لحماس في غزة، يجلس في مكتب مسؤول كبير لفتح سيطر عليه لتوه. ويجلس مقاتل حماس المقنع، الذي يرتدي الجينز في مقعد فاخر، ويمسك بسلاح في يد ويتحدث عبر القناع على الهاتف بيد أخرى، وتكاد تشبه اعلانا لمحلات «غاب» بمناسبة هلويين.

وفي مقاله في هذه الصحيفة يوم الثلاثاء، يصف فؤاد عجمي طرفي الحرب الاهلية الفلسطينية بـ«رجال فتح المقنعين» و«رجال حماس المقنعين». وحقيقة ان مقاتلي الجانبين يضعون أقنعة، هي من الاشياء المميزة لهذه الحرب الاهلية ـ وهي تثير، بالنسبة لي، سؤالين، الاول لماذا يرتدي كل من مقاتلي حماس وفتح اقنعة تزلج؟ والسؤال الثاني من أين يشترون أقنعة تزلج في غزة؟

لقد قال اوسكار وايلد «قدم لرجل قناعا وسيقول لك الحقيقة». فما هي اذن الحقيقة التي يكشف عنها وضع المقاتلين في الجانبين في هذه الحرب الاهلية (وفي العراق) أقنعة؟

الاجابة الاولى هي العادة، فقد كان مقاتلو حماس يضعون الاقنعة دائما عندما يواجهون اسرائيل، لكيلا يمكن لها تحديد هويتهم للانتقام. الا ان وكالة رويترز نقلت عن المتحدث باسم حماس قوله، انه يجب عدم وضع اقنعة في حرب بين الفلسطينيين. وأوضح خالد هلال «يجب وضع القناع فقط قرب الحدود وفي معارك مع العدو الصهيوني، وليس في الشوارع وبالقرب من بيوت الناس».

الا ان بعض العادات، لاسيما العادات السيئة يصعب التخلص منها ـ وينتهي الامر بأنها تضلل مجتمعك مثلما تضلل عدوك. ويمكنك رؤية ما يحدث هنا: اذا كان من المقبول وضع القناع عندما تواجه اليهود، فيصبح مقبولا وضع القناع عندما تواجه فلسطينيين آخرين. وإذا كان من المقبول استخدام انتحاريين ضد اليهود، فإنه يصبح من المقبول استخدام الانتحاريين ضد مسلمين آخرين.

وفي ما وراء العادات القديمة، توجد ايضا بعض الامور المخجلة الجديدة. المقاتلون يضعون هذه الاقنعة لرغبتهم ـ ليس فقط ـ في حمايتهم من نظرات اسرائيل، بل ايضا من نظرات ابائهم وأصدقائهم وجيرانهم.

فبعد مرور اجيال اكد فيها العرب عدالة ونبل الصراع الفلسطيني من اجل الدولة، لا بد من وجود شعور بالعار والخزي بشأن قتال الاخوة الفلسطينيين ضد بعضهم بعضا، وإلقاء بعضهم بعضا من فوق السطوح، وجر بعضهم بعضا من اسرة المستشفيات، وبصفة عامة تمزيق المجتمع الفلسطيني في صراع مكشوف. ولكن ليس هناك نبل بخصوص هذه المعارك، وهو السبب، كما اعتقد ان العديد يريدون وضع الاقنعة. فالقناع يحميك من العار ويحررك لقتل اخوتك وأولادهم.

كما ان وضع القناع هو طريقة للحصول على السلطة ودعم الرجولة، فالناس الذين يضعون الاقنعة السوداء يبدون اكثر تخويفا ـ ليس فقط جسديا، بل لان عدم الكشف عن الهوية يعني عدم مسؤوليتهم امام أي شخص أو قانون. وفي مجتمعنا، اللصوص والذين يرتكبون جرائم الاغتصاب وأفراد جماعة

كوكلوكس كلان العنصرية ـ هم الذين يضعون اقنعة ـ سواء لإخافة الآخرين، او تسهيل انتهاك القوانين. فالقناع يقول «انا لا التزم بالقانون. خذ حذرك خذ حذرك للغاية».

فكر في كيفية شعورك بالراحة اذا ما أسرت في حرب من قبل شخص يرتدي زيا عسكريا، ومدى خوفك اذا ما أسرت على يد شخص يضع القناع. ولكن اذا ما وضعنا في الحساب انهيار المجتمع الذي نراه في العراق ولبنان والمناطق الفلسطينية، فيمكن اعتبار ذلك رفاهية. ان الحروب ضد المقنعين والعصابات ـ التي هويتهم الحقيقية وأجندتهم وأحكامهم وتطلعاتهم ليست واضحة ـ ستصبح من الامور العادية.

ويقول المنظر السياسي يارون ازراحي «هذه الاقنعة هي زي الجيوش الجديدة للقرن الواحد والعشرين ونوعية العنف الجديدة»، التي لم تعد تفرق في العراق ولبنان وغزة «بين الحرب ضد الغريب والحرب ضد ابناء مجتمعك، وكما لم يعد لهذا العنف الجديد جبهة، فليس له وجه، وليس له حدود».

وهذا هو السبب ان هذه الاقنعة تعني شيئا آخر، وهو ان هؤلاء الشباب ليس لهم مسؤول اعلى منهم. وليست لديهم رتب. ولا يمكن لزعيم التأكد من ولائهم. فكل رجل مقنع هو جنرال، وكل مليشيا هي مزيج من عصابة ذات تمويل ذاتي وجيش عصري.

ويجب الاعتياد عليها. ففي بيئة اليوم، حيث اصبح الانقسام الكبير بين عالم النظام وعالم الفوضى، يمكنك توقع مشاهدة المزيد من المواجهات الاخرى بين جيوش نظامية وجيوش ترتدي الجينز والأقنعة.

* خدمة «نيويورك تايمز»