تكتل عراقي جديد

TT

المحاولات التي يبذلها البعض من الكتل السياسية لصناعة وصياغة رأي عام يتقبل فكرة تكتلات وتحالفات جديدة هي كلمة حق وحراك سياسي صحّي إذا ارتبط بالاحتكام لآلية مُلزمة وغير منفلتة عن قواعد السلوك الديمقراطي وعن الاحتكام للدستور العراقي ويمكن أن تشكل نُضجاً مطلوباً من السياسيين، فالعملية الديمقراطية في العراق تسمح بأي حراك سياسي ضمن هذه الآليات ولا يملك أحد أن يمنعها، بل حتى يعترض عليها، فهذا مبدأ ديمقراطي وسياسي مطلوب من الجميع تطويره ليكون حاكماً على الجميع.

فالتداول السلمي للسلطة هو إحدى الوسائل لتعزيز ثقافة ديمقراطية رائدة يتمكن معها الناخب العراقي من الاختيار بحيث تُتاح له الفرصة ليختار من بين عدة خيارات وبالتالي يشعر بأنه هو من صنع هذا الخيار ليرتقي لمستوى متقدم من المحاسبة والمساءلة والضغط والتقويم على من يحكمه أو يسوسه، لا أن يُصادر هذا الحق في الاختيار بطريقة قسرية مفروضة على المواطن والذي سيخسر حق صُنعه وبالتالي سيخسر فرصة التفاعل معه ومن ثم تقويمه لننتهي إلى نوعٍ من الاستبداد والتسلط عانى منه العراق طويلاً وكان أصعب واقسى ما فيه هو نموذج صدام حسين.

هذه الطريقة القسرية التي تأتي عبر أشكال متنوعة، لعل أكثرها تطرفاً هو الانقلاب على السلطة المنتخبة، يشكل أكبر اعتداء على الديمقراطية الوليدة في العراق والتي تعاني من محاولات وأدها وتدميرها محليا وإقليميا. فالعراقيون عندما خرج منهم 12 مليون من مجموع 15 مليون يملك حق التصويت، خرجوا في أصعب ظرفٍ من التهديد بالقتل بكل أنواعه وأشكاله ليس ليصوتوا فقط لبرلمان ينتخب حكومة، وإنما صوتوا للمستقبل وصوتوا لنظامٍ جديد يرفض التسلط والاستبداد، وصوتوا لنظامٍ يريدون هُم صُنعه ولا يُصنع في غرفٍ مظلمة، لذلك فان محاولات البعض من السياسيين للقفز على هذا الواقع والاتكاء على دعم إقليمي أو دولي، بعيداً عن مخزون الدعم الاستراتيجي الأساسي المحلي سيكون قفزةً في الهواء لا تخلق مشروعا سياسيا ناجحا، بل سيكون تراجعا ومصادرة لحق الملايين الذين تنامى عندهم هذا الأمل ولا بد من قراءة سليمة لهذا الحق. وأي معاندة لهذه القراءة تعني تحويل هذه الديمقراطية الوليدة إلى نماذج فاسدة من الديمقراطيات الموجودة في بعض الدول الفقيرة والتي زادتها هذه الأنواع من الديمقراطيات الزائفة فقراً. ولا شك ان المواطن العراقي على رغم كل معاناته من تدهور الوضع الأمني في بعض المناطق وقلة الخدمات وحتى انعدامها، والشعور بالإحباط الذي يعانيه والكثير من القلق والخوف، سيقف هذا المواطن بالمرصاد لهذه المحاولات التي تريد أن تجعل العراق يتشكل حسب رغبة دول معينة في المحيط الاقليمي لها أهدافها ومصالحها أو أحياناً لها تصور معين في تشكيل أنظمة للآخرين إما درءاً لخطرٍ تتصوره أو لمصلحةٍ ومغنمٍ تريد تحقيقه، مما سيفتح الأبواب للدول الأخرى لأن تتبارى في إيجاد ذات النموذج وإعطاء نفسها ذات الحق في التدخل وعندها سيتحول العراق الى ساحة لأجندات وأهداف إقليمية لم تكنْ في يومٍ من الأيام متوحدة بل متنافرة ومتخاصمة وسندفع نحنُ العراقيين ثمن هذا التنافر، مع التأكيد بأن العراق حاليا غير خالٍ من الأثر الاقليمي الضار والذي يساهم بشكل كبير في عدم استقرار الوضع العراقي، هذا التدخل الضار والذي نسعى جميعا لوقفه ومنعه وتقليل أضراره بتفاهم وتضامن عراقي بين مكونات العراقيين عبر حقيقة أن لا أمانا وسلاما للعراقيين إلاّ عبر تفاهم وطني فيما بينهم وليس من خلال أثرٍ اقليمي هو أصلاً متخاصم منذ عقود وفيه الكثير من القلق وغبش الرؤية، وإذا فتحنا له أبوابا جديدة فإننا كمن يدعم هذا المنهج وهي دعوات لاستباحة العراق، ولن يكون هناك رابح فالكل غرقى.

لا بد لروّاد ومروّجي هذه الأفكار أن يتعلموا من التاريخ القريب فضلا عن البعيد بأن الأثر الاقليمي قد تسبب في دفع العراق لحربٍ عبثية فقدنا فيها مليون عراقي من زهرة شبابنا وتم تدمير البلد ودفعه لهاوية لا قعر لها والبعض الآخر دفع وشجّع النظام البائد لغزو الكويت والتمادي في التمسك بخيوطٍ من الوهم لقوةٍ كاذبة متورمة وإشباع غرور شخص مهووس بالسلطة وغطرستها وفاقد النظر للوضع الدولي، للإجهاز على الجسد العراقي المريض، وقد حقق هذا الأثر أهدافه واُرجع العراق لعصر ما قبل الكهرباء.

فلا يظنن أحد بأن الذاكرة العراقية أصابها الوهن والشيخوخة نتيجة انقطاع الكهرباء وضيق اليد ، ولا يخطئ أحد قراءة هذا الشعب ليس رفقا به بل بمستقبلكم السياسي.

* الناطق الرسمي

للحكومة العراقية