لي فضول شديد جدا لمعرفة الوصف والمسمى الذي سيطلق على الضحايا الذين سقطوا قتلى على أيدي رجال «فتح» و «حماس» في اقتتالهم البيني العبثي، هل سيطلق عليهم وصف قتلى أم شهداء أم ضحايا أم انتحاريون؟ إنه فصل جديد من الرواية القاتمة، التي لا تزال فصولها تروى في منطقة الشرق الأوسط.
سيأتي اليوم الذي سيروي فيه التاريخ أحداث الاقتتال الذي وقع في غزة بين الفلسطينيين، إنه نهاية مشروع الوحدة والبدء في مشروع الانفصال وقيام «الدويلتين» الفلسطينيتين.
عندما كتبت في هذه الزاوية مقالا بعنوان «جمهورية غزة» بتاريخ 5 أكتوبر 2006، ظن الكثيرون أنني متشائم أو أخرف، ولكن العلامات كانت قد بدأت في الظهور و«ليالي العيد تظهر من عصاريها» كما يقول المثل العامي المعروف. لقد أصر الأشاوس في فلسطين أن يعيدوا إحياء ذكرى النكسة والنكبة بمصيبة أخرى لتجسيد أبعاد المأساة بحروف من طين وقطران.
ياسر عرفات، ومع كل الانتقادات التي كانت توجه له كان قادرا على التعايش مع التعددية، وحفظ خطوط الوصال معها بلا انقطاع مهما بلغ الخلاف، وهذا مثال مختلف تماما عن مهازل «فتح» و«حماس». لا يمكن وصف ما حدث بين الفصيلين الفلسطينيين إلا بأنه عبث غير مسؤول للوصول لكرسي السلطة تدحض من أجله كل القيم والثوابت والمبادئ.
وليست فلسطين هي المشهد البائس الوحيد، فها هو العراق يشـهد حماقـات التطرف والجهل وهي تؤدي لتفجيرات مراقد آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولصحابته الكرام مقدمة أنموذجـا مثاليا للإبداع والتنطع المؤدي للإرهاب الذي تطير بسببه الرؤوس وتسفك الدمــاء، ولبنان الذي يعاني من نتاج قسم ووعيد وتحذير بأن «لبنان لن يرى الأمان، وسيدفع أهله الثمن»، فها هو يعاني التفجير تلو الآخر وفي كل مناطقه، وها هي ثغرات الفتنة تنفتح ويتم تأجيجها بشكل مدروس ومقصود، والشهداء يتساقطون الواحد تلو الآخر من تيار المستقبل المطالب بالمحكمة الدولية والكشف عن حقيقة ما يحدث من مسلسلات الاغتيالات المتواصلة، لن يكون مفاجئا لأحد إذا ما تم وصف أعضاء تيار المستقبل الكبار بأنهم يسيرون على الأرض ونعوشهم على رؤوسهم وأكفانهم تنتظرهم، فلوائح الاغتيالات «الغامضة» تنتظرهم للقضاء عليهم ولكن شيئا ما ينتظر المنطقة.
وسط الظلمات هذه كلها هناك أمل قادم، أمل يجيء بالكشف الحاصل عن المهازل وعن الأكاذيب، نحن نعيش في زمان لم يعد بالإمكان ترويج أفكار تهلل للمقاومة وهي أساس للاستبداد، وتنادي بالتحرير وهي رمز للاحتلال والاستعمار، ترغب في الحوار وهي تكمم الأفواه، تهتف باسم الدين وهي تزهق أرواح الأبرياء مرتكبة بذلك اكبر الخطايا. لقد وصلنا للدرك الأسفل ولذلك مع هذه الكشوفات لم يعد باقيا سوى الخروج من هذه الظلمات.