تعددت الوساطات.. والسؤال واحد

TT

يحلو للعديد من المعلقين الإسرائيليين ترداد مقولة مفادها أن الفلسطينيين «لا يفوتون فرصة تفويت الفرص» الواعدة بتسوية في الشرق الأوسط.

رغم أن القصد الحقيقي من المقولة هو محاولة تبرئة إسرائيل نفسها من مسؤوليتها المباشرة في فشل أي تسوية سلمية شاملة في المنطقة، فقد أصبحت هذه المقولة أكثر انطباقا على اللبنانيين من الفلسطينيين ولكن مع فارق واضح هو أن اللبنانيين أنفسهم يتحملون مسؤولية الفشل في تسوية أزمتهم الداخلية.

هل هو قدر سياسي أم مجرد خطأ في الحسابات المحلية والإقليمية أن تتحول استحقاقات لبنان الدستورية إلى أزمة تجر أزمة؟

بعد أزمة حكومة «الوحدة الوطنية» (وهي التورية السياسية لمطلب حكومة الثلث المعطل) جاءت أزمة المحكمة الدولية لجريمة اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، وبعد المحكمة الدولية التي حسم أمرها مجلس الأمن، أطلت أزمة الانتخابات الفرعية في بيروت والمتن. وبعد الانتخابات الفرعية ـ إن جرت ـ ستهب من الغرب والشرق رياح أزمة أعتى هي أزمة الانتخابات الرئاسية. وبعد الانتخابات الرئاسية يخلق الله ما لا تعلمون من أزمات... هذا إذا بقي لبنان.

أما أن يترنح اقتصاد لبنان ويهتز أمنه ويهاجر أبناؤه ليصبح مثالا تاريخيا «للدولة المعطلة» ( (Disfunctionalـ بهمة ابنائها واجتهادات مسؤوليها، موالين ومعارضين، فمسألة لا تبدو في مستوى الأهمية التي تستحقها.

بالنسبة لأي مراقب للأزمة التراكمية التي ينوء اللبنانيون بحملها، باتت حلحلة أزمة مرهونة باتفاق الأفرقاء المعنيين مباشرة بالوضع على جواب واحد على سؤال واحد هو: من أين نبدأ؟

هل نبدأ بالانتخابات النيابية أم بحكومة «الوحدة الوطنية» أم بالاتفاق على الرئيس التوافقي لكل اللبنانيين؟

ولكن دون الإجابة عن هذا السؤال حالة «عناد سياسي» تعتبر أي «تنازل» يمهد للتسوية، ومن أي جهة أتى، هزيمة سياسية منكرة... فهذا وعد جماعته بالنصر ـ وفي اعتقادها إن وعد صدق ـ وذاك وعدها بالحقيقة ـ وإن طال انتظارها من المحكمة الدولية ـ والثالث وعد نفسه بالرئاسة ـ وفي قناعته أن «وعد الحر دين» ولو دفع لبنان الفوائد الباهظة المترتبة عليه.

زحمة الوعود جعلت الوساطات الخارجية، عربية كانت أم أجنبية، أعجز من أن تكسر «حالة العناد السياسي».

والسؤال الذي يتبادر الى أذهان اللبنانيين اليوم هو: هل تتوصل الوساطة العربية الراهنة الى كسر حالة «العناد السياسي» وحمل المسؤولين اللبنانيين على الاتفاق على جواب موحد عن السؤال المصيري: من أين نبدأ... أم ستكون هذه الوساطة فرصة جديدة «لتفويت الفرص»؟

مسلسل الوساطات السابقة ـ بصرف النظر عن مضمونها ـ يسمح بالاستنتاج أن سبب فشلها الأول كان لبنانيا، وإن كان لتداخل الاعتبارات الإقليمية والدولية في شروط التسوية دور بارز فيه.

من هنا أهمية الدور اللبناني في نجاح الوساطة العربية، فالمعطيات الإقليمية التي رافقت عملية الوساطة الأولى وفرضت تقديم متطلبات استقرار الشرق الأوسط على استقرار لبنان لم تتبدل بعد بشكل يرجح حلا على آخر أو كفة جهة داخلية على أخرى في لبنان، الأمر الذي يرهن حل الأزمة اللبنانية بتفاهم لبناني ـ لبناني على «من اين نبدأ».

واضح لكل اللبنانيين أن الشهور السبعة التي انقضت على «حالة العناد السياسي» لم تحقق لبلدهم سوى المزيد من التدهور في اقتصاده والاهتزاز في استقراره والتردي في أمنه.

وإذا جاز لهم استخلاص عبرة أساسية من تجربة الشهور السبعة المنقضية فقد تكون تلك العبرة البديهية التي أعادت الأزمة تأكيدها: لا يقدر أحد على إلغاء الآخر في لبنان ولا يمكن لجهة واحدة الاستئثار بحكم لبنان... طالما بقيت معادلة الحكم فيه مذهبية قبل ان تكون حزبية. لذلك كان شعار لا غالب ولا مغلوب ـ على علاته في بلد يلتزم اللعبة الديمقراطية ـ ولا يزال، المظلة الواقية ـ ولو ظرفيا ـ لاستقرار لبنان وأمنه.

مشكلة هذا الشعار أنه يتطلب تجاوز معطيات الديمقراطية المطلقة ـ أي ديمقراطية الأكثرية النيابية ـ لصالح توازنات ما يسمى بالديمقراطية التوافقية. ومشكلة العودة الى الديمقراطية التوافقية أنها تتطلب التضحية بحالة «العناد السياسي» لاستئناف الحوار الذي أرست القيادات اللبنانية بنوده السبعة الأساسية قبل ان يصبح «العناد» عنوان المرحلة.

باختصار، وكما يقول المثل البريطاني «رقصة التانغو تحتاج الى اثنين».