العهدة على الراوي

TT

الأسئلة الافتراضية التي لا جواب حاسما لها، تستهويني وتشغلني أحيانا عن سواها. اسأل نفسي أحيانا: لو قدّر لي أن أعيش على جزيرة مهجورة، فما هي الأشياء التي أتمنى أن آخذها معي، والتي قد تخفف عناء الوحدة والعزلة؟. ويبقي ذهني مشغولا في حصر تلك الأشياء، ومنها الكساء مثلا وأدوات إعداد الطعام وبعض الكتب والاسطوانات. ثم يتفرع التفكير إلى أنواع الكتب التي لا غنى عنها، ولماذا يختار المرء هذا الكتاب وليس كتابا آخر، وماذا يفعل إذا قرأ كل الكتب التي أخذها معه وأعاد قراءتها مرارا؟، ربما يبدأ هو في تدوين أفكاره وانفعالاته، فيصبح فيلسوفا أو مؤلفا، وتظل الأجوبة غير حاسمة. غير أنني اكتشفت أنني في جميع الأوقات التي يشطح فيها خيالي إلى عالم الجزر المهجورة أتمنى بلا تردد أن آخذ معي كتيبا صغيرا دونت فيه بعض الطرائف الخاصة بالعلاقة بين الرجل والمرأة، وهي طرائف تدل على التجاذب والتواصل بين الجنسين وتدل أيضا على خاصية يتميز بها الإنسان عن سائر المخلوقات، وهي البديهة الساخرة والقدرة على الضحك ولو على نفسه.

اذكر مثلا طرفة عن زوجة مطيعة جدا عاشت مع زوج كرس نفسه للعمل وجمع المال، وكان يؤثر حب المال على كل حب آخر، بحيث أصبح شحه وتقتيره مضرب الأمثال. وحين مرض واشتد به المرض، دعا زوجته وطلب منها أن تقطع على نفسها عهدا، فأجابته بما طلب، فقال لها عديني بأن تجمعي كل ما لدي من مال في صندوق وان تضعي الصندوق معي بعد وفاتي لأنني أريد كل ما لدي من مال أن يذهب معي إلى العالم الآخر، فوعدته زوجته. وحين توفاه الله، جلست الزوجة المطيعة متشحة بالسواد أثناء المراسيم التي تسبق دفن الميت. وبعد انتهاء المراسيم وقبل أن يحمل الجثمان إلى خارج دار العبادة، طلبت أن تودع شيئا إلى جوار جثمان الزوج، وبالفعل وضعت الصندوق المعدني معه قبل أن يحملوه إلى الخارج. وحين عادت إلى مجلسها، قالت لها صديقتها: ماذا فعلت؟ هل من المعقول أن تلبي رغبة إنسان افقده المرض التفكير العقلاني المنطقي؟، فقالت الزوجة: لقد أمضيت عمري معه وأنا أطيعه في كل ما يريد، وبما أنني قطعت على نفسي عهدا فلم يكن من الممكن أن أتراجع، وقد قمت بالفعل بتحويل كل أمواله إلى حسابي البنكي، ثم حررت شيكا باسمه ووضعته في الصندوق المعدني ووضعت الصندوق المعدني ليكون معه في مثواه ولو استطاع أن يصرف قيمة الشيك أينما هو، لتحقق له ما تمنى.

ولعل أطرف ما سمعت وسجلت، هو حوار بين زوج وزوجة يقول فيه الزوج لزوجته انه قرأ بحثا يدل على أن المرأة تستخدم ثلاثين ألف كلمة في المتوسط يوميا، وان الرجل يستخدم خمسة عشر ألفا فقط، وإن دل هذا على شيء، دل على حب المرأة للثرثرة. فقالت الزوجة لزوجها إن المرأة تستخدم ضعف عدد الكلمات التي يستخدمها الرجل، لأنه لا يفهم ما تقول من أول مرة، فالتفت إليها الزوج وقال لها: ماذا قلت؟.

ولم أجد في الكتيب الذي احتفظ به أطرف من هذا الحوار بين زوج وزوجة: الزوج يقول لن افهم ما حييت لماذا خلق الله المرأة بهذه الصورة الجميلة ولم يمنحها عقلا ذكيا، فتقول الزوجة: لقد خلقني الله جميلة لكي تنجذب إليّ، ولو خلقني ذكية لما انجذبت إليك..

والعهدة على الراوي طبعا.