شرفة أخرى

TT

عندما تقدم طالب الكيمياء أشرف مروان لخطبة منى عبد الناصر، سأل الزميل بسام فريحة والده سعيد فريحة: «هل تعرف مَن هو أشرف مروان؟» وأجاب الساخر الكبير «لا. لكنني أعرف أنه الرجل الذي تطلع في عيني جمال عبد الناصر، وقال له، أنا أريد الزواج من ابنتك».

تحكي قصة زواج الشاب المجهول من ابنة عبد الناصر، قصة طموح بلا حدود، انتهى بسقوط من على شرفة في أحد أفخم أحياء لندن. ثمة شيء واحد لم يكن يطيقه أشرف مروان: الحياة العادية التي عاش فيها والده الضابط المجهول، وعمه، الضابط الذائع الشهرة.

دخل أشرف مروان عالم السياسة في مصر من باب عبد الناصر وخرج من باب أنور السادات. وعندما أراد داهية مصر تفكيك الجهاز الناصري من حوله بعد وصوله إلى الرئاسة، لم يجد أفضل من الخلاص من سامي شرف إلا صهر عبد الناصر. فمن يستطيع عندها أن يتهمه بإبعاد الناصريين. لكن من خلال تعيين أشرف مروان في إدارة المعلومات، أراد السادات أن يعرف، قبل أي شيء، ماذا يفعل الناصريون، وماذا تخطط مراكز القوى. وإذ خرج أشرف مروان بعد فترة من مراكز القوى والسياسة ودنيا المعلومات، دخل عالم المال بالطموح نفسه. وراح يتدافع مع أصحاب الأسماء العربية الذائعة في ذلك الوقت، التي اتخذت من لندن مقراً ومقاماً. ومثل هذه المجموعة استوطن المدينة ولم يعد يذهب إلى مصر إلا في الزيارات النادرة.

وكان رجلاً وحيداً، برغم كل شيء. وقد أدركت ذلك لأنه انضم إلينا في لقاء أسبوعي في لندن لعدد من الفلسطينيين واللبنانيين. وكان هو المصري الوحيد. ولم يكن ما يدور من نقاشات في ذلك اللقاء، يعنيه أو يهمه. لكن بدا بوضوح أنه لم يكن لديه شيء أكثر أهمية يفعله صباح السبت. وقد انفرط عقد تلك اللقاءات عندما تبين أن أحد الطارئين عليها ينقل أقوال الحاضرين إلى مدير الأمن العام السابق في لبنان. ولكن أشرف مروان ظل يأتي، عله يلتقي صديقا أو محاورا. وغالبا ما كان يشكو، باسما، من أن عمليات القلب التي أجراها، لم تصح. وكان دائما على وشك عملية أخرى. وعندما أقام حفل زواج لابنه في القاهرة، حرص على أن يكون الحفل لأهل الثروات الكبرى وليس لأهل الاشتراكية وحراسة الممتلكات. وقد أزعجه وأزعج زوجته ما كتبت آنذاك. وبعد فترة التقيت الزوجة في بيروت مع يسرا وإيناس الدغيدي في بهو فندق فينيسيا. ومدت يدها تصافحني قائلة: هدى جمال عبد الناصر!، ورددت بسرعة: أنه شرف كبير. أنا من معارف أشرف مروان. كان أشرف مروان قصة طموح سياسي انتهى في منتصف الطريق، وقصة طموح مالي توقف في منتصف الطريق أيضا. أو في مكان ما من الطريق، لا أدري مرتبته. وكان موته حزينا. وكم هو محزن أن يتساقط مشاهير مصر عن شرفات لندن.