«الطب الرذيل»

TT

أحداث لندن وغلاسكو لا تزال في دوائر التفاعل، وإن كان من الواضح أن دوائر الأعمال الإرهابــية عادت لتســلط الضـوء على بريــطانيا. والتحقيقات الأولية تشير الى وجود علاقة مهمة في ما حدث مع طبيبين عربيين، وهما العراقي بلال عبد الله والأردني الفلسطيني محمد عشا، ودخولهما بقوة في دوائر المشتبه فيهم، وقد تكون هناك عناصر أخرى معهم من القطاع الطبي.

علاقة مزعجة هذه التي تتنامى من أنبل المهن وأرقاها وأعني تحديدا مهنة الطب وبين التطرف والإرهاب، فليس بلال عبد الله ومحمد عشا النموذجين الوحيدين في هذه المسألة، فلا يمكن نسيان أيمن الظواهري وغيره من الذين تركوا واجبهم في خدمة الناس وراحوا ينشرون الذعر والدمار بعد أن ضللوا. ومن الواضح أن مرجعيتهم الفكرية والفقهية متشابهة ومشربهم متقارب وقراءتهم التكفيرية متقاربة ونظرتهم لمن يخالفهم من بني ملتهم متشابهة والجاهزية التامة لتكفيرهم وإخراجهم من الملة ناهيك من نظريتهم العدائية بالمطلق لمن يخالفهم في الدين، نتاج قراءة قاصرة ومتشنجة. لقد تشربوا الكراهية والحقد والعداء، ومنابعها لا تزال موجودة في الفضائيات.

وإذا لم يتبن العالم الإسلامي موقفا صريحا من هذه المسائل و«يحرم» الأخذ بآرائها، ستظل دائرة الظلام تفرز المزيد من الأشقياء. ولا ريب أن مسألة كهذه تبقى أهم بكثير من أن تكون أولوية ويفتى بها من مسائل كإرضاع الكبير وتحريم الهاتف الجوال وتقديم الورود للمرضى وغيرها من المسائل العبثية.

ليس مستغربا أبدا وجود هذا الكم المرعب من الشباب العربي المضلل بالأفكار السوداء المغطاة بعبارة الدين، وليس مستغربا، وجود فرق القتل وجماعات الاغتيال ومنظمات الإرهاب، فهناك من هو مستمر في تغذيته بالسم وتقديمه لهم على أساس أنه الفكر النقي السليم والخالي من الشوائب فليهنأوا بحصاد ما زرعوا! وجود عدد من الإرهابيين الممارسين لمهنة الطب يدحض تماما مقولة أن هؤلاء الشباب ينضمون لتلك الجماعات الإرهابية بسبب العوز الاقتصادي والبطالة، لأن هؤلاء من طبقة متوسطة وأوضاعهم المادية معقولة، ويؤكد تماما أن المسألة هي موضوع فكري وفقهي صاف.

كان العالم الإسلامي يرى نماذج جميلة من الأطباء الذين مارسوا هوايات ومهنا أخرى وأضافوا لمجتمعاتهم ما يدعو للفخر، فها هو يوسف إدريس يتعلق بالقصة القصيرة، وإبراهيم ناجي يبدع في الشعر، ومهاتير محمد يقود بلاده لأهم قصص النجاح والاستقرار في العالم الثالث المعاصر، حتى كرم كرم وزير السياحة اللبناني الأسبق وهو طبيب النساء والولادة المعروف والذي جاء لتلك الوزارة بأسباب «قيصرية» كان قد أبلى بلاء جيدا، كل هذه النماذج عملوا بشرف في مهنتهم العظيمة وأضافوا قيمة أخرى لمجتمعاتهم، ولكن الطب في العالم العربي مثله مثل غيره دخل دائرة الإرهاب الفكري المسمومة وطالته، نسأل الله «أن يشفي ما في الصدور», فالمسألة تحولت من مرض عادي وفيروس بسيط الى سرطان خبيث.

[email protected]