إيران والساعة الرملية

TT

وزير الإرشاد والثقافة الإيراني يتهم صحفا إيرانية بأنها تخطط لما أسماه بـ«الثورة الناعمة» من أجل قلب نظام الحكم. والخلل في علاقة الحكم والصحافة في إيران يبدأ أصلا من مسمى الوزارة «الإرشاد والثقافة». فالإرشاد والثقافة على طرفي نقيض.

الإرشاد وعظ، ومنع، وتوجيه. بمعنى ان يتحول المجتمع كله الى صقر على عينيه برقع يمنعه من الطيران. كما ان الإرشاد يحمل صفة أبوية تتلخص بالوصاية والرعاية.

بمعنى آخر خلق وظيفة للإرشاد يعني دائرة رسمية لتقييد الوعي.

أما الثقافة فتعني آفاقا أرحب، وحق معرفة مشاعا، أصله الفسح، لا التضييق.

فعندما تكون هناك حرية للشعر، والموسيقى، والمسرح، من عروض، ومناقشة، ومنتديات، يكون هناك إبداع، وإثراء. فالرواية، مثلا، تقوم على اللا قيود، وليس توجيه وزارة الإرشاد والثقافة.

ويسجل للمثقف الإيراني أنه وصل إلى العالم كله، قبل الثورة الإيرانية، بإبداعه، وأدبه. فعمر الخيام لم يعرف في العالم كله، حتى ولو مترجما، من خلال حروب وصراعات، وطائفية، بل وصل بإبداعه.

لكن الأمر ليس حكرا على إيران وحدها، بل ان هذه هي سمة الأنظمة الشمولية، ودول التعبئة، بأن الناس قاصرون ويحتاجون إلى من يرشدهم. مصر عبد الناصر كانت لديها وزارة تسمى وزارة الإرشاد القومي، أي كما أسلفنا، تقييد للوعي، وتوجيه، للخروج بعقليات معلبة تسير على تلقي الأوامر، لا التفكير والتمحيص والتدقيق وطرح التساؤلات.

والارشاد والتقييد ليسا حكرا على الأنظمة في الحالة العربية، فالإخوان المسلمون لديهم أيضا مرشد! والجماعات التكفيرية ترى أن الناس في ضلال وفي حاجة إلى من يعيدهم إلى رشدهم. وهذا كله عكس الثقافة التي هي أن الناس راشدون وعلى الدول تسهيل الأدوات، وسبل المعرفة لهم.

أمر آخر اتضح من كلام وزير الإرشاد والثقافة الإيراني حيال قلقه من الصحافة الإيرانية حين وصفها بأنها تتحرك ببطء لقلب نظام الحكم، وهو أن الأنظمة الشمولية تضيق حتى من النقد البطيء. فالرافضون للتغيير توتر أعصابهم حتى الساعة الرملية، وإن لم تكن فيها تكتكة عقارب الساعة.

لذلك كله تلقى الصحافة في إيران مصرعها، ويضيق الأفق الإيراني المعروف بالأدب والثقافة، بكل فنونه، وأنواعه. والصحيح، والمعروف أن الصحافة لا تستطيع قلب نظام حكم، مثلما أن الصحف الإيرانية لا تستطيع أصلا إسقاط وزير، فإيران ليست بالدولة الديمقراطية، وصحافتها تتعرض منذ عام 2000 إلى مذبحة.

وأدق وصف لحال الصحافة الإيرانية ما قالته شهلا شركت رئيسة تحرير مجلة «زنان» لصحيفتنا في أحد الحوارات وهو أن «الصحافة في إيران تشبه المشي على حبل مشدود، إذا فقدت توازنك قليلا يمكن أن تسقط».

مأزق القيادة الايرانية أنها بدلا من أن تقوم بدورها في توفير الأمن، وخلق الفرص الوظيفية، والعيش الكريم لشعبها، وتوفير سبل الارتقاء بالمجتمع ثقافيا وصناعيا، تفرغت للوعظ والإرشاد، في الوقت الذي تعاني فيه إيران من أزمة حقيقية، داخليا، وخارجيا.

[email protected]