العجائب السبع الأخرى!

TT

صوت حوالي 100 مليون شخص حول العالم على اختيار عجائب الدنيا السبع الجديدة، بعد مرور قرابة ألفي عام على اختيار المؤرخ الاغريقي هيرودوت لعجائب الدنيا «القديمة».

العجائب القديمة ضمت حدائق بابل المعلقة (العراق) وتمثال رودس العملاق (اليونان)، ومن مصر: فنار الاسكندرية القديم، وأهرام الجيزة ـ وهي الأثر الوحيد المتبقي ـ ومعبد ارتيميس في ايفيز (تركيا) وضريح هاليكارناسوس في بودروم (تركيا)، وتمثال زيوس العملاق في جبل الاوليمب (اليونان).

من الواضح، طبعا، أن المؤرخ الاغريقي ومثقفي ذلك الزمان لم يتجاوزا بقائمتهم شواطئ البحر الابيض، في مركزية قديمة، تشبه المركزية الغربية التي يتحدث عنها امثال ادوراد سعيد وعبد الوهاب المسيري بشكل مزمن ومدمن.

الحدث الحالي تعمد منظموه ان يعلن عنه في تاريخ عجائبي ايضا، 7 ـ 7 ـ 2007 . الموضوع مسل، وجميل، رغم ان اليونيسكو لم ترتح لـ(تطفل) المغامر السويسري برنارد ويبر، الذي عمل كمخرج سابق ومدير متحف. ووزير الثقافة المصري فاروق حسني امتعض من هذه المسابقة، وعالم الاثار زاهي حواس رأى أنه كان يجب إسناد مهمة الاختيار لثلاثمائة عالم يقررون هم ما هي عجائب الدنيا السبع الجديدة.

هذه القصة الحلوة، أوحت لي بفكرة اختيار عجائب سبع من نوع آخر، عجائب عربية واسلامية فقط ، لا دخل «للخواجات» و«العلوج» فيها، فقط لأهل الدار.

غير ان هذه العجائب التي فكرت فيها، لم يكن الفيصل في اختيارها هو وجود تحفة معمارية او هيبة هندسية او قصة تاريخية تتعلق بها، مثل «تاج محل» او «البتراء» او «سور الصين العظيم»، لا، بل العوامل المرجحة لاختيارها ـ حسب اجتهادي المتواضع ـ هو توفرها على شرط «الاعجوبة» السياسية، فالمكان هنا لا تميز فيه، لولا وجود حالة سياسية عجائبية فوقه، هي التي تلقي عليه سحر الاعجوبة. وغني عن القول ان هذا الاجتهاد لا يعني الحصر، بل هو مجرد اشارة متواضعة، وللقارئ ان يضيف اليها ما شاء، خصوصا أني لم افكر بعد في تحديد مؤسسة او لجنة ترعى هذه المسابقة، ولم اتفطن اصلا لوجود هذا التاريخ العجيب، 7 ـ 7 ـ 2007، وربما اعوض ذلك في السنة المقبلة، 8 ـ 8 ـ 2008، إن كان الرقم 8 له قيمة عجائبية.

ندخل في المفيد، العجائب العربية والاسلامية السبع الجديدة :

أولا : المسجد الاحمر في اسلام اباد عاصمة باكستان. هذا المسجد بدأ كجامع وبؤرة للتعليم الديني ثم الحق به قسم لتعليم الفتيات اطلق عليه مدرسة حفصة، ثم اصبح خارج السيطرة وملاذا للهاربين من ملاحقة الحكومة وبعضهم كان متورطا في محاولة اغتيال الرئيس مشرف مثل مولانا مسعود أزهر زعيم جماعة «جيش محمد». وقيل ايضا ان شهزاد تنوير، احد منفذي تفجيرات قطارات لندن، قد تلقى تعليمه في هذا المسجد.

المثير ان امام المسجد، مولانا عبد العزيز، اعلن صراحة عن مطالبه وهي تطبيق الشريعة، على الوصفة الطالبانية، ابتداء من محيط المسجد، فكان طلابه وطالباته النجيبات يقومون بالغارات في جوار المسجد، ويرجعون، ويرجعن، بالغنائم، وكان من ضمن هذه الغنائم امرأة اتهمت بالدعارة، وقد تم احتجازها على يد فتيات حفصة، تم تتويبها. الملا عبد العزيز يقول انه لن يتوقف حتى يطبق مشرف الشريعة ويشطب الاغاني ومحلات الفيديو...

ثانيا : منطقة القبائل على الحدود الباكستانية ـ الافغانية، او ما يعرف باقليم «وزيرستان» ويعتقد على نطاق واسع ان زعيم تنظيم «القاعدة» اسامة بن لادن، ومساعده ايمن الظواهري، يتخفيان هناك، مع غيرهما من قيادات القاعدة. الملا عبد الرشيد غازي، شقيق امام المسجد الاحمر، وفي مقابلة جرت معه أخيرا، ذكر أنهم يتمتعون بدعم حركة طالبان في وزيرستان وأن اتخاذ أي إجراءات ضد المدرسة سيقابله «الرد المناسب». الجيش الباكستاني قام بغارات على هذا الاقليم بدون فائدة تذكر في الحصول على قيادات «القاعدة»، فهو اقليم باكستاني وغير باكستاني في نفس الوقت، افغاني وغير افغاني، قبائلي وغير قبائلي، اصولي وغير اصولي، قطعة من الارض غريبة خارج الزمان والمكان .

ثالثا: الضاحية الجنوبية في بيروت، وهي منطقة خاضعة بالكامل لادارة الحزب الشيعي الاصولي «حزب الله» أمنيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا، أي أنه «دولة حزب الله» حسب «مسكوكة» وضاح شرارة الشهيرة، منطقة هي لـ«حزب الله» واشياعه، من دخلها فقد دخل دار «ابي هادي»، السيد حسن نصر الله ، ولم لا ؟ فهي «بلاد الله» ولكن «الضيقة» حسب الرصد الجميل لأحد سكان الضاحية، فادي توفيق، في كتابه الذي يحمل هذا الاسم .

رابعا : المنطقة الخضراء في بغداد، وهي مربع امني تقع فيه مفاصل الدولة الوليدة تحت الرعاية الامريكية وفيها مقر البرلمان وسكن بعض المسؤولين الاساسيين، فيها استحكامات امنية مشددة، هي اشبه بالجزيرة الامنية الخاصة داخل البحر العراقي الهائج، ومع ذلك فإن هذه الجزيرة لم تسلم من «مويجات» تسونامية قادمة من البحر المائج، أرض هي تعبير مكاني بالغ عن حالة الشذوذ العراقي الحالي، يتجلى هذا الشذوذ في وجود ساسة سنة وشيعة في العملية السياسية وفي نفس القوت يحاربونها، او يدعمون من يحاربها، خارج الجزيرة الخضراء. هؤلاء المختلفون على مستقبل العراق، المنخرطون في حاضره السياسي في نفس الوقت، لم يجدوا جبلا يعصمهم من طوفان القتل ـ من الجانبين خصوصا القاعدة ـ الا جزيرتهم الخضراء «العجيبة».

خامسا: إمارة حماس في غزة، وهذا عجيبة العجائب، فالوضع كله في فلسطين عجيب وغريب. غزة شريط بائس يتمدد على البحر الابيض، فيه خزان بشري متعب وغاضب، تسبح فيه حركة حماس ذات الشعارات الاسلامية والتاريخية المثالية، تقابلها في الضفة الغربية حركة فتح «المترهلة» و«ذات الخيار الواقعي شبه العلماني».. القوم لا دولة عندهم، ولا رؤية حاسمة «مؤثرة» وحماس ذات الشعارات الشهيرة مثل:«من البحر إلى النهر» و«فلسطين وقف اسلامي»، استلمت السلطة المنبثقة اصلا من اتفاقات اوسلو المرفوضة من قبلها، تريد ان تبقي على شعاراتها الاولى، وفي نفس الوقت تمارس سلطتها المتفرعة عن الاتفاق المتعارض مع تلك الشعارات! «تناقض ما لنا إلا السكوت له» وان نراقب امارة حماس الجديدة التي صارت آخر العلاج بالنسبة لحركة مستعجلة على اقامة الخلافة الاسلامية، ولو على شريط ارضي بائس وحزين.

سادسا: اقليم كردستان العراق، وهذه قد تكون ابهى العجائب، فهو الاقليم الوحيد في العراق الذي بقيت فيه بعض ملامح الدولة، ولم يصبح مسرحا يوميا للتفجير والاغتيال والخراب، مع انه قد أصيب برشقات من هذا المطر الاسود، هو من العراق وليس منه، هو في العراق وليس فيه، اصبح مثابة لزوار العراق الباحثين عن تحقيق غاية زيارة العراق ولكنهم لا يريدون ان يكون آخر منظر في حياتهم هو رؤية تاكسي بغداد الشهير يتطاير شظايا في صدورهم ويحيلها مزقا، ان بقي من اجسادهم شيء.

إقليم عجيب، فلم يفكر احد يوما ما ان تكون ارض الاكراد الثائرة على حكم بغداد منذ حوالي قرن، هي العراق كله الان .

سابعا: الصحراء الغربية، او جمهورية الصحراء العربية الديموقراطية، او ارض جبهة البوليساريو، سمها ما شئت، لكنها ارض وبقعة عجيبة وكأن توصيفها السياسي المستعصي هو طفرة تاريخية تشبه الطفرات الجينية الناجمة عن اشعاعات غريبة مثل اشعاعات تشيرنوبل. ارض كونها جزءا من المغرب او كونها الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، مختلف عليها. اليوم يسيطر المغرب على معظم مناطق الصحراء الغربية، ويقول إنها مناطق جزء تاريخي منها. أعلنت الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، 1956 كما تقول موسوعة وكيبيديا، تعترف بها 61 دولة وهي عضو في الاتحاد الافريقي. والعام 1956، هو التاريخ الرسمي لحصول المغرب على استقلاله. ومنذ ذلك الحين ما زال المغرب يطالب بوحدة ترابه الوطني، وما زالت هذه القضية مصدر توتر بين دول الشمال العربي الافيقي، خصوصا الجزائر والمغرب.

وبعد: هذه عجائب عربية واسلامية سبع جديدة، عجائب لا ندري متى تغادر ارض الاعاجيب وتعود للعالم الطبيعي، وربما تتوالد اكثر وتحول الارض العربية والاسلامية كلها الى «اعجوبة» كما أعدت ضاحية حزب الله، غزة حماس... وحينها لن نبحث عن عجائب سبع، بل عن عاديات وطبيعات سبع، من يدري؟!

[email protected]