المعركة القادمة في العراق؟

TT

الاستقرار النسبي في كردستان العراق يعكس الجانب الايجابي الوحيد للرئيس بوش في الفوضى الدموية التي تضرب العراق تحت الاحتلال. إذ ان تأمين الأقلية الكردية ضد عنف بغداد يمكن ان يعتبر انجازا تاريخيا.

إلا ان الاحتمالات المتزايدة لحدوث ضربات عسكرية تركية داخل منطقة شمال العراق تهدد بمحو آخر انجاز ايجابي للغزو الاميركي، كما تهدد ايضا بنسف احتمالات إجراء عمليات إعادة نشر رئيسية للقوات الاميركية ونقلها من المدن الرئيسية في العراق الى قواعدها في الشمال مستقبلا. وفيما يسعى الأكراد جاهدين الى حدوث هذه الخطوة، فإن انقرة تعارضها بقوة.

التعامل مع شكاوى تركية المشروعة ضد متمرديها الأكراد الذين يحتمون بأكراد شمال العراق، يتطلب تحركا سريعا وصرامة في نفس الوقت من جانب واشنطن. الادارة الاميركية لم تبد حتى الآن أي تحرك سريع ولا صرامة في التعامل مع العراق المدمر ولا جيرانه المتربصين. ويمكن القول انه ليس هناك وقت انسب من الوقت الحاضر لتغيير العادات والسياسات السائدة.

فشل الولايات المتحدة في إحداث تحول في العراق، له عدة اسباب اهمها عجز جورج بوش عن تحديد اولويات واضحة يمكن تحقيقها والتمسك بها، عندما يحدث أي تضارب بين المصالح الحيوية لجيران العراق وأجزاء واسعة من الادارة الاميركية.

فعلى الرغم مما يقوله، لم يتعامل بوش مع العراق بالأهمية التي تستحقها القضية بكاملها، أي على نحو يتطلب تقديم التضحيات اللازمة ووضوح الغرض. ظل بوش يقفز من هدف الى آخر ومن فصيل الى آخر، سواء كان ذلك على صعيد الحكومة الاميركية او العراق او على صعيد المنطقة، بدلا عن اتباع نهج ثابت ومحدد، وهذا ما يتطلبه الوضع.

على سبيل المثال، لجأ بوش الى حكومات سنيـّة عربية بدلا عن ممارسة ضغوط فاعلة عليها لمساندة جهود الولايات المتحدة في العراق.

يضاف الى ذلك ان الادارة الاميركية لم توجه رسالة واضحة ومتوازنة على نحو كاف لردع الساسة الاتراك ووقفهم من توجيه التهديدات بغزو كردستان العراق، أو وقف جنرالات تركيا من حشد القوات في منطقة الحدود مع العراق، مثلما حدث خلال الاسابيع الأخيرة.

سياسيا، يواجه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وحزبه «العدالة والتنمية» معركة حامية للسيطرة على البرلمان في الانتخابات العامة المقبلة في 22 يوليو (تموز) الحالي. إذ يتعين عليهم ان يلحقوا هزيمة ساحقة بحزب الحركة الوطنية اليميني اذا ارادوا تحقيق اغلبية كبيرة تسمح لهم بإجراء تعديلات كبيرة على دستور البلاد. إلا ان اتهامات حزب الحركة الوطنية لأردوغان بالضعف في مواجهة الارهاب الكردي، أعطت دفعة لمؤيدي اليمين، طبقا لنتائج استطلاعات الرأي، في وقت باتت فيه الانتخابات على الأبواب.

أما على الصعيد الاستراتيجي، فإن الجنرالات، الذين ينافسون الساسة في السيطرة على الشؤون التركية، لا يريدون ان تتمتع كردستان بحماية اميركية قوية. كما انهم يشعرون بالغضب تجاه ما يعتبرونه مخالفة للوعود من جانب الولايات المتحدة في لجم حزب العمال الكردستاني الذي يعمل من داخل الاراضي العراقية.

إلا ان البنتاغون ووكالة الاستخبارات الاميركية لم يرتقيا بأدائهما الى مستوى المهمة فيما يبدو. هذا العجز يعمل على تغذية الشكوك التركية في ان الأجندة المناوئة لإيران اكثر تأثيرا على الأولويات الاميركية من الوعود التي التزم بها بوش ومستشاروه.

ثمة إجماع بين مراقبين ودبلوماسيين قبل حوالي شهر على عدم ورود احتمال تدخل تركيا على الرغم من التهديدات التي اطلقتها. إلا ان هذا الرأي بدأ يتغير الآن اثر الشعور بالإحباط ومع اقتراب موعد الانتخابات العامة في تركيا. علاوة على ذلك، فإن التوقعات بأن أي تدخل تركي سيكون قاصرا على ضربات جوية وعمليات سريعة بواسطة القوات الخاصة التركية في المناطق التي تتمركز بها قوات حزب العمال الكردستاني، تلاشت لتحل محلها مخاوف من احتمال تنفيذ تركيا عمليات عسكرية اكبر حجما تستهدف السيطرة التركية على منطقة كركوك المتنازع عليها.

كوندوليزا رايس اتصلت من جانبها هاتفيا بنظيرها التركي عبد الله غل، يوم الجمعة، محاولة وقف أي تدخل محتمل في العراق، لكنها لم تتلق أي تأكيدات منه.

أي غزو تركي يدفع كردستان الى الفوضى ونزف الدم، سيكون بمثابة مسمار في نعش آخر انجازات بوش المحدودة في العراق، وفي دعم الرأي العام للوجود الاميركي في العراق. والحيلولة دون حدوث، ذلك تتطلب جعل هذه القضية خلال الأسابيع المقبلة في صدارة اولويات بوش ومن يعملون معه.

* خدمة «كتـّاب واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»