العراق.. هل من حل؟

TT

ليس سرا ان حكومة نوري المالكي تعيش أيامها الأخيرة في غرفة العناية الامريكية المركزة التي يقدم لها دافع الضرائب الأمريكي الأموال اللازمة من دون أن يعرف بالأخطاء الرهيبة التي تقترف باسمه، فالرئاسة الأولى من الناحية الدستورية، ليست سوى خيال الماتا ومهددة باستقالة احد نواب الرئيس، مما يخلق إشكالا آخر لحكومة المحاصصة الطائفية والعرقية، لا يقل حدة عن الإشكال الذي خلفه إقصاء رئيس البرلمان العراقي وقيام كتلة التوافق بتعليق عضويتها فيه، ليرتفع بذلك عدد أعضاء البرلمان المتوقفين عن العمل إلى 85 عضوا، وهو عدد مرشح للزيادة.

أما الحكومة نفسها فتقف عاجزة تماما ليس عن إجراء أية تغيرات جوهرية في تركيبتها المعروفة بالضعف والهشاشة فحسب، وإنما حتى في مجال ملء الشواغر فيها بعد انسحاب ستة من أعضائها نتيجة انفراط عقد الائتلاف الحاكم وانعكاس ذلك على الأداء الحكومي الهزيل أصلا، إضافة إلى تعليق وزراء التوافق لمشاركتهم، ولذا فليس مستغربا أن يتحول العراق إلى ساحة للتصفيات الاقليمية ـ الاقليمية والإقليمية ـ الدولية والى مرتع لعصابات الإرهاب المختلفة الأشكال والانتماءات، وتبقى قضايا مثل الأمن والاستقرار وخدمات الكهرباء وماء الشرب النقي والوقود في بلد عائم على بحر من الوقود خيالا وترفا فكريا لا يمكن للمواطن العراقي حتى أن يحلم به، وهو يتساءل فيما إذا كانت هناك أصلا حكومة عراقية خارج المنطقة الخضراء؟

لقد أدى زواج المتعة بين المؤسسات الدينية والطائفية من جهة والديموقراطيين والليبراليين من جهة أخرى، بسبب الظروف المحيطة بسقوط النظام الدكتاتوري، إلى ولادة هذا المسخ المشوه للحكم، الذي اغرق العراق في لجة الحرب الاهلية غير المعلنة، وجعلته ساحة لمن يشاء ليفعل ما يشاء دون أي اعتبار لوجود وحياة ومستقبل ملايين العراقيين الذين أصبحوا مشردين ومهجرين داخل بلدهم، ناهيك عن أربعة ملايين لاجئ عراقي في دول الجوار، فالمحاصصة الطائفية والعرقية وحتى الكتلوية داخل الحزب أو المجموعة التنظيمية الواحدة أدت إلى تهميش الهوية الوطنية العراقية واختزالها لصالح الهوية الفئوية أو الطائفية أو العرقية وأحيانا حتى لصالح القائد المبجل ولمن يدور في فلكه.

من الواضح ان الحكومة الحالية، التي جاءت على أساس تحالف برلماني عريض، لم تعد تحوز على الاكثرية السابقة ومن المشكوك فيه أن تحصل على النصاب القانوني المطلوب بسبب انسحاب قوى مؤثرة داخل الإئتلاف الحاكم، وتمسك المجموعة الحاكمة الحالية بالسلطة لا يعني إلا شيئا واحدا هو إغراق البلاد في مزيد من المشاكل، وإقامة نظام دكتاتوري من نوع جديد تتحكم فيه الاقلية في مصير الاكثرية، الأمر الذي يضع نهاية مؤسفة ومؤكدة للعملية السياسية في العراق، ويفتح الباب على مصراعيه لكل الاحتمالات بما فيها تحول العراق إلى ساحة حرب طويلة الأمد ليس فقط بين مكوناته الرئيسة، وإنما أيضا بين القوى الاقليميه الطامعة في الحصول على جزء من الكعكة العراقية، هذه الحرب التي ستطال كل مواطن ولن تبقى هناك مناطق آمنة أو شبه آمنة كما هي عليه اليوم في كردستان العراق وبعض محافظات الجنوب.

أمام هذا الوضع المأساوي والمخاطر الحقيقية التي تحيط بالعراق أرضا وشعبا، فإن الحل، داخليا، يكمن وضمن إطار العملية السياسية، في إلغاء الزواج المؤقت بين الذين يستغلون الدين والطائفة لمشاريع سياسية، وبين القوى الديموقراطية القومية والتقدمية، وتشكيل جبهة برلمانية تضم هذه القوى، تأتي بحكومة قادرة على التصدي لمشاكل البلاد وفق برنامج واضح المعالم، وهو أمر ممكن إذا تمت إعادة الاعتبار للهوية الوطنية العراقية القائمة على احترام إرادة مكونات الشعب العراقي الرئيسة، أو عن طريق العمل من اجل إجراء انتخابات مبكرة لا على أساس القوائم الحزبية، وإنما على أساس الترشيح الفردي الذي يتيح فعلا للعراقيين انتخاب ممثليهم الحقيقيين، الذين قطعا لن يكونوا ممن أوصلوا العراق إلى ما هو عليه اليوم.

* سياسي كردي