دبلوماسية «أريدك أن ترى»

TT

ما الذي ينازع خبر المحاولات الإرهابية الفاشلة في لندن طوال الفترة الماضية على صدر الصفحات الأولى للصحافة البريطانية؟ إنه خبر ارتفاع أسعار الفائدة! وما الذي ينازع أخبار العراق على صدر صفحات الصحف الأميركية؟ بالطبع نظام الرعاية الاجتماعية، والتعليم، والانتخابات!

أما في العالم العربي فالخبر الرئيسي هو الدمار والموت. تعودنا تلك الأخبار. أزمتنا أننا تعودنا، ولم نحدث قائمة أولوياتنا منذ زمن. لا يهم، ارتفعت أسعار العقار، أو البترول. لا يهم، تقدمت الجامعات أو تخلفت، ولا تهمنا مستويات أنظمة الرعاية الصحية. وإن تناولت كل تلك القصص ينتقدك القارئ نفسه! لقد تعودنا أخبار الموت.

أقول هذا كله، تعليقا على تصريح الرئيس الأميركي جورج بوش بانه لن يحدد تاريخا للفشل، أي الانسحاب من العراق. والمهم لدينا هو تحديد تاريخ لنهاية الفشل. فالأميركيون يسجلون فشلا ذريعا في العراق، وهذه هي الحقيقة.

إلى متى يستطيع بوش مواصلة العناد حول الفشل في العراق؟ وإلى متى يبقى العراق كرة قدم بين الديموقراطيين والجمهوريين؟ ما أريد قوله إن على الرئيس الأميركي، وفريقه، إدراك أن أبناء المنطقة لا يقلقهم الخطر القادم من العراق، ليس لاسترخاصهم الدم العراقي، ولكن بسبب التعود.

فما الفرق في حال العراق عن فلسطين، أو لبنان، أو الأعمال الإرهابية في الجزائر، وغيرها من العالم العربي؟ لذلك منطقتنا بحاجة إلى تحرك دبلوماسي وسياسي، أهم شروطه تغييب عنصر العناد، والاعتراف بالأخطاء.

المراقبون في عالمنا العربي يلاحظون إحجام معظم القادة عن السفر لواشنطن، وزيارة البيت الأبيض، وهناك من يقول إن لا أحد يريد ربط نفسه بالرئيس الأميركي الأقل شعبية. وهذا كلام مردود عليه، ففي غمرة الحديث عن الجهاد ضد الغزو السوفياتي لأفغانستان، لم يتوان قادة عرب عن الالتصاق بموسكو! وهناك من يقول إن الرئيس الأميركي في طريقه للخروج من الحكم، ولا جدوى للتنسيق معه الآن، والمشكلة انه سيخرج من البيت الابيض وتدخل أزمة العراق إلى كل دولة!

لكن السؤال الأهم هو متى كانت آخر مرة زار فيها الرئيس بوش المنطقة؟ بسبب العراق، أو عملية السلام، أو حتى لبنان؟ واشنطن دولة عظمى نعم، ولكنها جارة لجميع دول الصراع. لذلك من المهم أن يقوم الرئيس الأميركي بزيارة للمنطقة، ويسعى إلى تحريك الجهود، والانطلاق نحو حلول في بغداد.

مشكلة الأميركيين أنهم يعتقدون أن الانسحاب من بغداد سيأتي بالحلول، ومشكلة العرب أنهم يتحدثون كثيرا عما تريده واشنطن، لكنهم لا يعرفون ما يريدونه هم، وهذا الأهم.

وهنا لا بد من دبلوماسية تطلقها واشنطن، بمساعدة فرنسا، فنيكولا ساركوزي ليس جاك شيراك، ويكون عنوان تلك الدبلوماسية، إن جاز التعبير، «أريدك أن ترى». مفادها أريدك أن ترى الخطر، وما سوف تخسره، وما سوف تربحه من انسحابنا من العراق، وبالتالي يكون هناك تصور، وعمل مشترك، (أميركي ـ أوروبي ـ عربي)، لإنقاذ العراق، وعندها يكون الانسحاب مستحقا.

[email protected]