بوش أدار ظهره لدارفور

TT

أعلن الرئيس جورج بوش في مايو (أيار) 2006 أن «مواطني إقليم دارفور يحتاجون لما هو أكثر من مجرد التعاطف. أميركا لن تدير ظهرها لهذه المأساة». إلا أن بوش أدار ظهره، واضطر حوالي 450 ألف شخص من سكان الإقليم للنزوح. وأشار مضوي إبراهيم آدم، الناشط السوداني في مجال حقوق الإنسان، الى أن الأوضاع في إقليم دارفور باتت أكثر سوءا.

من ضمن المؤشرات الأكثر إثارة للقلق أن السودان ظل يشجع مجموعات عربية من تشاد والنيجر ودول أخرى على الاستقرار في دارفور، وانتقل بالفعل حوالي 30 ألفاً من هؤلاء الى المناطق التي أصبحت خالية من السكان عقب طرد القبائل الأفريقية منها.

وكانت حكومة السودان قد منحت خلال الأشهر الأخيرة هؤلاء القادمين وثائق مواطنة وأسلحة في إطار سعيها لتغيير الخارطة الديموغرافية عقب عمليات الإبادة. وإذا اعتقد السودان أنه سيفلت من العقاب على جرائم القتل الجماعي في دارفور، فسيستأنف في الغالب حربه ضد جنوب السودان، وهو احتمال يبدو راجحا. أصبحت منظمات تقديم العون الإنساني هدفا للهجمات في دارفور، إذ انه خلال أبريل (نيسان) فقط تعرض 20 من العاملين في هذه المنظمات للاختطاف أو أطلاق النار، فضلا عن أن الخاطفين يحاولون بصورة يومية الاستيلاء على سيارات العاملين في مجال تقديم العون الإنساني. كما قتل سبعة من أفراد قوات حفظ السلام الأفريقية خلال نفس الشهر. ويمكن القول هنا إن هذه القوات ليست في وضع يمكنها من إنقاذ العاملين في مجال الإغاثة.

امتدت هذه الظاهرة الى تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى، على نحو يهدد الاستقرار فيهما. إذ أطلق مسلحون النار على الفرنسية إيلايزا سيرفاس، التي بدأت أول مهمة عمل لها مع منظمة «أطباء بلا حدود»، وأردوها قتيلة عندما كانت تقود سيارتها عبر منطقة كان المسلحون فيها يحرقون قرى في المنطقة. واضطرت منظمة «أطباء بلا حدود» الى تعليق كثير من نشاطها في المنطقة بسبب هذه الحادثة. يحدث شيء مماثل في شرق تشاد. فقد عادت الممثلة ميا فارو، التي أبدت موقفا صارما لم يبده حتى الزعماء الغربيون تجاه عمليات الإبادة، من سادس زيارة لها الى المنطقة وقالت إن شرق تشاد بات الآن أشبه بالصومال.

هناك أيضا عمليات اغتصاب. إذ منذ أن بدأ السودان عمليات الإبادة، ظل المسلحون يستخدمون الاغتصاب لترويع سكان المناطق التي تقطنها القبائل الأفريقية، فضلا عن معاقبتهم النساء اللائي يحاولن الحصول على العلاج باتهامهن بممارسة الزنى.

معظم الأخبار حول دارفور كانت تبعث على التفاؤل في الآونة الأخيرة، ذلك انها ركزت على النشاط الدبلوماسي الدولي حول الأزمة. وفيما بدأت الصين تضغط أخيرا على السودان لحمله على قبول نشر قوات لحفظ السلام في دارفور، واصلت بكين تزويد السودان بالسلاح الذي يستخدم في ذبح أطفال دارفور. ووقعت الصين في الآونة الأخيرة اتفاقا مدته 20 عاما للعمل في حقول نفط بحرية في السودان، كما تعهدت الصين في ابريل الماضي بـ«دعم التبادل والتعاون العسكري» مع السودان.

لنأمل في أن يرتدي الرياضيون المشاركون في دورة الألعاب الأولمبية العام المقبل في الصين فانلات لإحياء ذكرى ضحايا الإبادة التي تعلم بها الصين.

اتخذ الرئيس الفرنسي الجديد نيكولاس ساركوزي موقفا لافتا في ظل النشاط الدبلوماسي المكثف بشأن هذه القضية. إذ يضغط ساركوزي باتجاه إرسال قوات تابعة لدول الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك فرنسا، لبسط الاستقرار في كل من تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى. وإذا وصلت هذه القوات بنهاية أكتوبر (تشرين الثاني) المقبل، حسبما هو مخطط لها، فإنها ربما تساعد على إنقاذ هاتين الدولتين من حافة الانهيار.

على العكس تماما، سمح بوش بأن يرتبط اسم دارفور في الأذهان بما حدث في رواندا والبوسنة. بوش كان قد ناقش ومساعدوه ما إذا يجب أن يلقي خطابا خاصا حول دارفور بهدف زيادة الضغوط، لكنه لم يقدم هذا الخطاب حتى الآن. أما لورا بوش، فقد أنهت في الآونة الأخيرة جولة في أربع دول أفريقية، إلا أن جدول جولتها لم يتضمن زيارة أي من المناطق المتأثرة بالأزمة في دارفور.

وفي نهاية الأمر، السبيل الوحيد لإنهاء الإبادة في دارفور يتمثل في التوصل الى تسوية سياسية قائمة على أساس التفاوض، إلا أن السبيل الوحيد للوصول الى ذلك هو ممارسة مزيد من الضغوط على الخرطوم. ترى، ما الذي سيحدث إذا ما وجه بوش الدعوة الى ساركوزي ـ الى جانب غوردون براون، وهو جينتاو، وحسني مبارك ـ لزيارة مشتركة الى تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى للقاء لاجئي دارفور؟ ربما يستطيع ساركوزي أن يجعل بوش والآخرين يتخذون موقفا عمليا وإيجابيا.

*خدمة «نيويورك تايمز»