الـ «سي آي أيه» التي نحتاج!

TT

إليكم مثالا على نمط المسؤولية الذي تحتاجه وكالة المخابرات المركزية للخروج من المآزق والتحول الى مؤسسة استخباراتية فعالة حقا: الوقت هو عام 1985 وفريق «السي آي إيه» المكلف إيقاف عملية خطف طائرة TWA 847، عاد الى الوطن بعد إخفاق محرج. وعلى الرغم من أمر من الرئيس رونالد ريغان للهجوم على الطائرة وتحرير الرهائن، فإن الأمر لم ينفذ. ويقتل غطاس البحرية الأميركية، روبرت ستيثم، ويهرب الإرهابيون.

ويستدعى العاملون في «السي آي إيه» الى بناية بعيدة. وهم يعتقدون أنه سيجري تسريحهم. وتصل سيارة غير مميزة تحمل مسؤولا حكوميا رفيعا وواحدا من أكبر مساعديه. ويبقي المسؤولان سبعة من العاملين الميدانيين ويطلبان معرفة الخطأ الذي حصل. ويطلب من ضباط «السي آي إيه» وصف الخطأ في النظام وتحديد أسماء المخطئين.

والرجل الذي يوجه الأسئلة حول الطائرة والرحلة هو نائب الرئيس جورج هربرت دبليو بوش. وهو يقضي ثلاث ساعات مع هؤلاء الضباط محققا في الأخطاء التي أسهمت في الأداء البائس. وعندما ينتهي يتخذ خطوات لتحميل أشخاص المسؤولية وتشخيص المشاكل: ويجري انتقاد شديد لجنرال بنجمتين في سلاح الجو. وتمنح «السي آي إيه» صلاحيات جديدة تسمح لها بالقيام بعمليات مضادة للإرهاب بصورة أكثر فاعلية.ويقول ضابط سابق في «السي آيه إيه»، كان معنيا بعمليات مكافحة الإرهاب في حينه، إن «القضايا التي واجهناها في ذلك الحدث شخصت وحددت مباشرة، وعندما انتشرت الأنباء عبر النظام حصلنا على قدر مذهل من التعاون».

الآن قارنوا بين هذه المسؤولية الصارمة مع الكيفية التي جرى بها التعامل مع المعلومات الاستخباراتية خلال ادارة جورج دبليو بوش. فدور نائب الرئيس، تشيني، ظل هو دفع الأمور باتجاه الإجابات التي يريدها بدلا من طرح الأسئلة. وجرت معاقبة أو تجاهل ضباط «السي آي إيه» الذين حاولوا التحذير في عامي 2003 و2004 من المخاطر في العراق. ومنح جورج تينيت، مدير وكالة المخابرات المركزية الذي تبنى على نحو غير حكيم هوس الإدارة بأسلحة الدمار الشامل في العراق، وسام الحرية. وأغضب تينيت البيت الأبيض عندما رفض أن يكون كبش فداء للمزاعم الزائفة بشأن برنامج العراق النووي.

وخوفا من أن تصبح «السي آي إيه» مستقلة، عينت إدارة بوش عضوا جمهوريا في الكونغرس بديلا لتينيت. ووصل إلى لانغلي مع فريق من المساعدين الذين بدأوا في التخلص من ضباط «السي آي إيه» المشكوك في ولائهم. ولم تكن الكفاءة موضع اهتمامهم. فهم عينوا المسؤول الثالث شخصا كان معروفا بالعناية بأعضاء الكونغرس أثناء سفرهم ضمن وفود إلى الخارج. وهذا المسؤول وجهت إليه تهمة سوء استخدام منصبه للحصول على عقود لصالح صديق.

وكان عمل البيت الأبيض جيدا بخصوص أجهزة الاستخبارات في السنة الماضية، وهذا بفضل رئيس الموظفين جوش بولتون الذي كان والده ضابطا في «السي آي إيه». وعينت الإدارة الأميركية فريقا لإدارة وكالة الاستخبارات المركزية برئاسة الجنرال مايكل هايدن ونائبه ستيفن كابر، وهو شخص يتمتع بتقدير عال في دوائر الاستخبارات.

ما زال رسم حدود واضحة للمحاسبة يواجه العراقيل على يد بيروقراطيي مكتب مدير الاستخبارات القومية. وكان على بوش أن ينصت إلى الكثير من مسؤولي الاستخبارات المحترفين الذين نصحوه ضد إعادة الهيكلة.

يدرك هايدن أهمية المحاسبة. ولهذا السبب قرر الكشف عن المحاسبة التي جرت عام 1973 للأفعال السيئة التي قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية والتي عرفت آنذاك باسم «مجوهرات العائلة». كم تبدو بعض تلك الأفعال ضئيلة قياسا ببعض الفعاليات الحالية. وفي العودة إلى تلك الفترة تعرضت الوكالة لانتقادات حادة لمجرد مناقشتها لعمليات الاغتيال، بينما أصبحت هناك فرق مسلحة بأسلحة خاصة للاغتيالات جاهزة للإقلاع الجوي، وفي العودة إلى تلك الفترة كانت امكانية استخدام الوكالة للمخدرات في التحقيقات تعتبر خرقا مهولا للأعراف، والآن يشن مكتب نائب الرئيس سرا حملة للسماح لـ«سي آي إيه» باستخدام تقنيات تعتبر بشكل ما تعذيبا. ولا تعد «السي آي إيه» اليوم قوية أو مرنة بما فيه الكفاية للتكيف مع التحديات العالمية، فيما يخص الإرهاب، وهذا هو استنتاج كتاب جديد عن تاريخ «سي آي إيه» عنوانه «إرث الرماد»، كتبه تيم واينر، مراسل صحيفة «نيويورك تايمز». والكتاب يسلط الضوء على نشاطات هذه الوكالة خلال الستين سنة الأخيرة.

نحن بحاجة إلى ثقافة المحاسبة بالنسبة لأجهزة الاستخبارات الأميركية ويجب أن تبدأ في البيت الأبيض.

* خدمة كتاب

«واشنطن بوست» –

خاص بـ«الشرق الأوسط»