من أراد اغتيال أبو مازن؟

TT

الآن تعاني حماس من نفس المرض التشذرمي الذي أصاب التنظيمات الفلسطينية الأخرى حيث صار قرارها الداخلي يدار من الخارج. فالجندي الإسرائيلي اختطف بدون مشورتها في الداخل، والصحفي البريطاني أطلق بتفاهم خارجي، وتحولت حماس الى جماعة مسلحة تابعة فقط وسط استغراب الكثيرين لأن حماس بلغت مرحلة صارت هي الحكومة. وهذا يفسر قيام أحد قيادييها بإفشاء مؤامرة اغتيال أبو مازن الذي أراد تخريب التدخل الخارجي، لأن قتل الرئيس كان غرضا خارجيا لا فلسطينيا على اعتبار انه أكثر الفتحاويين اعتدالا وتسامحا. اغتياله كان سيضمن حربا أهلية بين الفلسطينيين. وإشعال القتال بين فتح وحماس لا يمكن أن تكون رغبة فلسطينية مهما اختلف الطرفان، مما يدلل على أن الأطراف الخارجية هي التي أرادت استخدام أطراف في حماس لتنفيذ مخططها.

منذ سنيِّ التهجير الأولى للفلسطينيين وبعضهم يستخدم في أعمال سياسية قذرة مع أطراف إقليمية ضد أخرى، بما لا علاقة له بالقضية أو الحقوق الفلسطينية. في فترات تاريخية مختلفة صار هناك استغلال عراقي وسوري وإيراني وليبي وشيوعي وأصولي وعشرات غيرها. ولهذا كانت مفاجأة الكويتيين كبيرة عندما عرفوا بوجود فلسطينيين بين قوات صدام التي احتلت بلادهم. الحال أن نظام صدام حسين جند مجموعة ضمن مشروع عنوانه الرئيسي تحرير فلسطين، لكنه استخدمها ضد خصومه فقط في داخل العراق وخارجه. والشيء تكرر في سورية في معاركها اللبنانية وحتى العراقية الأخيرة.

في نفس الوقت بقيت القواعد الرئيسية للفلسطينيين في مواجهة إسرائيل تحت قيادة فتح التي واجهت ظروفا صعبة بسبب التجاذبات السياسية الجغرافية العربية التي انتهت بطردها من بيروت على متن سفينة الى تونس. وخلال نصف قرن دبرت انقلابات وقامت حروب عربية داخلية تحت شعارات تحرير فلسطين ومحاربة إسرائيل، في حين أنها جميعا، لم ترتبط قط بما ادعته.

لهذا كان مشروع تجميع الفلسطينيين تحت إمرة السلطة الفلسطينية في تونس أولا، ثم العودة الى الأراضي المحتلة، محاولة استقلال جادة حاول تنفيذها الراحل أبو عمار حيث وجد في اتفاق اوسلو الهزيل خيرا للفلسطينيين من البقاء تحت رحمة الأنظمة العربية. وخلال سنوات قليلة وصعبة استطاع الرئيس عرفات لمّ الشمل تدريجيا ونقل بعض القيادات من الخارج الى الداخل. كان ذلك الحل الأفضل للخلاص من سوء الاستخدام العربي للفلسطينيين. ولأن الإسرائيليين لم يمنحوا أبو عمار سلطة حقيقية على شعبه، كان سهلا التسلل إليهم من قبل القوى الإقليمية الخارجية. كان مشروع أبو عمار نظاما فلسطينيا وحيدا يمكن أن يستظل تحته أهل الداخل على الأقل، خاصة أن أبو عمار اشتهر بمركزيته الإدارية ومهارته السياسية في جمع الفصائل تحت إمرته. ولم يمض المشروع بعيدا حيث تسللت القوى الخارجية وظهرت تنظيمات معادية لمشروعه مثل حماس والجهاد التي اختارت أن تكون تابعة للخارج الفلسطيني التابع للخارج الإقليمي بأجندته السياسية المختلفة دائما عن المشروع الفلسطيني.

[email protected]