لا ليسوا لبنانيين

TT

عندما قرأت أن كارلوس (خليل) سليم أصبح أغنى رجل في العالم، لم أبحث في أرقام ثروته وشركاته، لأنها له ولأبنائه، لكنني سعيت لأن أعرف ماذا يقدم لعمل الخير. والجواب أربعة مليارات في العالم سترتفع الى عشرة خلال أربعة أعوام. ولن يصل منها شيء على الأرجح الى فقراء بلدته، التي تبعد عن قريتي، 5 كيلومترات. وذلك لأن هناك 12 مليون مهاجر لبناني، على الأقل، ممنوعون من العودة الى بلدهم. أو بالأحرى من الانتساب اليه. وكان الرئيس الراحل الياس الهراوي قد قام بزيارة الى البرازيل ووجد ان أبرز اعضاء مجلس الشيوخ والنواب من اللبنانيين، وأكبر التجار ورجال الأعمال من أصول لبنانية. وعندما عاد الى لبنان طالب بإعادة الجنسية الى المهاجرين. وتصدى له كثيرون. وكان اشدهم حزماً وبأساً في التصدي رئيس الوزراء سليم الحص. وعندما قام الرئيس اميل لحود بزيارة البرازيل فيما بعد، صادف ذلك موعد كرنفال الريو. وفضل الا يثير المسألة، لأنها قد تشق الصفوف الداخلية المتراصة وتزعزع الوحدة الوطنية المتفالذة (من فولاذ، أو فلذة).

كان والد كارلوس سليم قد عاد الى بلدته (جزين) في الستينات، وأقام بعض المشاريع الزراعية المتواضعة. فلم تكن ثروته في ثروة ابنه من شيء. وكلما فكر المتحدرون في العودة، ردتهم الأخبار السيئة الطالعة من لبنان وأخبار وسط بيروت المحتل بالخيام والمسور بالأسلاك الشائكة. وتبحث الدول عن الناجحين كي تكرمهم، فيما تمنع قوى لبنانية كثيرة تدوين اسمائهم في سجلات الجنسية، التي اعطيت قبل أعوام الى نحو 350 ألف شخص، ليس بينهم واحد من أصول لبنانية، وبينهم ألوف لا يأتون الى لبنان الا للاقتراع.

لكن بعيدا عن لبنان ومحتقرات السياسة فيه وضآلة الحسابات السياسية وعدد الأصوات الناخبة، كتب المهاجرون اللبنانيون ملاحم انسانية تعتز بها مواطنهم الجديدة. فالمكسيك تحتفل بأن خليل سليم مواطنها تخطى بيل غيتس ونافس الاميركيين وأرقامهم. ولم يكن مايكل دبغي بين 350 ألف مجنس، لكن أميركا تباهت بأنها أرسلت الى روسيا، بكل تقدمها العلمي، الدكتور مايكل دبغي يشرف على عملية جراحية لبوريس يلتسن. وفي السبعينات كان «ملك البن» في البرازيل، امبراطورية البن، شاباً يدعى جورج عطا الله، وبالتالي كان أغنى رجل في البلاد. وبعد أن قرأت عنه في «فورتشون» كتبت اليه أسأله لماذا لا يأتي الى لبنان، فكتب معتذرا: «لأن أرض الآباء تبدو في حالة غير آمنة. ربما عندما تهدأ الأوضاع». لكن ليس مسموحا أن تهدأ الأوضاع في لبنان، لأنها اذا هدأت قد يخطر للمهاجرين القدامى والجدد المطالبة بحق العودة.

يربح كارلوس سليم نحو مليوني دولار في الساعة. وبدخل يوم واحد يستطيع أن يغير أوضاع بلدته ومنطقته برمتها، من القلة الى الكفاية. ويستطيع عشرة مغتربين من كبار الأثرياء ان يغيروا وضع لبنان كله، بقليل من التبرع النسبي، ولكن يجب أولا ان نعترف بهم وأن نسمح لهم بالعودة، وأن يكون في لبنان سياسيون يستحون من رفض الجنسية للذين حملوا على ظهورهم تراب الأرض.