مهمة صعبة

TT

المسافة ليست بعيدة كما يبدو للوهلة الاولى بين 10 داوننج ستريت في قلب العاصمة البريطانية والشرق الاوسط، فرغم آلاف الاميال الا ان لندن لاعب رئيسي ومتداخل دائما بحكم عوامل تاريخ طويل سابق، وحاضر قوي، واشتباكات المصالح مع قضايا المنطقة وخاصة الازمة الفلسطينية والصراع العربي ـ الاسرائيلي.

لذلك فان توني بلير الذي انتقل من مقر رئاسة الحكومة البريطانية بعد نحو 10 سنوات في الحكم الى منصب المبعوث الخاص للجنة الرباعية الى الشرق الأوسط ليس غريبا على المنطقة وقضاياها، وقد يكون من بين اكثر رؤساء الحكومات البريطانية الذين تداخلوا معها قبل وبعد حرب العراق الاخيرة، وزار عواصمها ربما عشرات المرات، وكان الدور البريطاني نشطا في المحاولات المتكررة التي لم تحقق نجاحا كما هو واضح حتى الان في احياء عملية السلام.

وبحكم هذا التداخل خلال فترة حكمه فان ردود الفعل المستقبلة لقرار اختياره مبعوثا للرباعية بين اللاعبين في المنطقة كانت متفاوتة بين الترحيب وان كان ذلك بحذر في اغلب الاحيان، والموقف السلبي المنتقد باعتباره كان طرفا وخصما لبعض الاطراف في الصراع الاقليمي الدائر على اشده حاليا، وتحولت فيه حتى القضية الفلسطينية الى احدى اوراق اللعب، يجري تحريكها حسب ميزان المصالح والمساومات.

اذا اردنا تقييما موضوعيا فان ارث بلير كرئيس حكومة بريطاني سابق لايزال تاريخه طازجا، ولم يمض على خروجه من 10 داوننج ستريت الا فترة قصيرة هو عبء وميزة في نفس الوقت، فالذين كانوا في تناقض مع سياسته في الحكم سواء بسبب التدخل في العراق او الموقف من ايران، او حتى المواقف من عملية السلام نفسها لن يجعلوا مهمته سهلة في مهمته الجديدة، وسيتعين عليه ان يشحذ معهم مهارته التي اوصلت حزب العمال لاول مرة في تاريخه الى ثلاث فترات حكم مستمرة، اما الميزة التي يتمتع بها فهي الثقل والعلاقات الدولية والاقليمية والخبرة التي اكتسبها من المنصب الحكومي والتي تستطيع ان تفتح له ابوابا كثيرة، ويستطيع ان يضع الثقل الذي اكتسبه كرجل دولة على المستوى العالمي في بث روح جديدة في مبادرات للسلام بالمنطقة.

على الارض او رقعة الشطرنج نفسها لا شيء يوحي بان المهمة ستكون سهلة بالنسبة الى بلير او أي مبعوث حتى لو جرى استنساخ شخصية مثل غاندي ليكون مبعوثا للرباعية، فجهود السلام في اسوأ احوالها، والتعقيدات لم تكن في يوم مثل ماهي عليه الان مع الانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة الغربية وتداخل ملفات الوضع في العراق، والارهاب والاسلحة النووية ولبنان وصراع النفوذ في المنطقة كلها مع بعضها في نفس الوقت، بما يجعل في بعض الاحيان اللاعبين المحليين مجرد ادوات لتحقيق اهداف اخرى ليس لها علاقة بما هو محلي بالنسبة لهم.

على الكفة الاخرى قد يجد بلير عوامل توحي ببعض الأمل الذي يمكن استثماره لو كانت هناك ارادة دولية قوية، لذلك فهناك مبادرة عربية للسلام تعد غير مسبوقة من حيث انها المرة الاولى التي يكون فيها عرض جماعي متفق عليه وبرؤية واضحة لكيفية الوصول الى نهاية مرئية لهذا الصراع الذي استهلك المنطقة طوال عقود، كما أن الصورة السوداوية التي تلوح امام دول المنطقة من تداخل اوراق الصراعات وانفتاح ملفات الازمات والصراعات واحدة بعد الاخرى دون امكانية حل اي منها ومخاطر انتقال الفوضى عبر الحدود وتعميم الصراعات الطائفية والحروب الاهلية خلقت رغبة ووعيا بضرورة ايجاد ترتيب دائم مستقر للمنطقة تتمكن من خلاله شعوبها في التنمية والتطوير مثل بقية مناطق العالم.