العلاقات السعودية المصرية.. والحملة الإعلامية المغرضة

TT

تشهد منطقة الشرق الأوسط حالة من الغليان الدفين تعبر عنه اللقاءات الثنائية السريعة بين القادة العرب، مما يؤكد ارتفاع درجات حرارة عدم الاستقرار، نتيجة التدخلات الغربية في المنطقة ورفض إسرائيل للسلام.

ويهمني إلى حد كبير اللقاءات الثنائية بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس المصري حسني مبارك، وذلك راجع بالدرجة الأولى إلى الثقل السياسي الذي تحظى به كلتا الدولتين مصر والسعودية، على الساحتين الإقليمية والدولية.

فمنذ شهرين وأكثر تتعرض مصر والسعودية لحملة إعلامية مغرضة، سواء في بعض وسائل الإعلام العربي وفي أكثرية وسائل الإعلام الغربي تستهدف التفرقة بين البلدين، وذلك عن طريق إلقاء ادعاءات في غير محلها، واختلاق سباق نحو الزعامة العربية غير موجود في واقع العلاقات المصرية السعودية.

القيادتان لم تلتفتا إلى هذه المهاترات ولا تلك الاختلاقات الكاذبة، كما أنهما لم تحملا نفسيهما عناء الرد على تلك الادعاءات أو تكذيب تلك الاختلاقات.

عدم الرضا عن السياسة السعودية المصرية يؤكد أنهما دولتا المحور في مختلف قضايا الشرق الأوسط، وأن بقاء وحدة الكلمة ووحدة الاتجاه السياسي بين القاهرة والرياض، هو ما يزعج السياسة الأمريكية تحديدا، إذ يأتي مخالفا للاتجاه الأمريكي ومتعارضا مع الأطماع الإسرائيلية.

محاولة الوقيعة بين الدولتين ليست جديدة، إذ سبقتها محاولات متعددة فشلت جميعها وإن كان من أبرزها ما تبع فشل مفاوضات ( كامب ديفيد 2 ). فقبل أن تبدأ تلك المفاوضات بين عرفات باراك كلينتون، قال عدد من مسؤولي الخارجية الأمريكية إن الرئيس كلينتون درس الملف الفلسطيني الإسرائيلي دراسة وافية كما لم يدرسه رئيس أمريكي من قبل، قلنا خيرا لعله يفهم الحقائق، إلا أن مجريات الأحداث دلت على أن كلينتون إما انه لم يفهم شيئا على الإطلاق، وإما أن انحيازه الشديد لليهود بحكم أن نصف دمائه من أمه دماء يهودية، وهذا ما أكده الكاتب اليهودي «عكيفا ايدرا AKIFUA AEDRA » في مقال له في صحيفة «هارتس» الإسرائيلية، هذه الدماء جعلته ينكر الحقائق من أجل إرضاء اليهود على حساب الحق الفلسطيني، وعلى حساب المقدسات العربية الإسلامية.

لهذا فشلت المفاوضات، وكان أمرا متوقعا، لأن عرفات لا يستطيع التنازل عن (القدس)، لا هو ولا غيره من القادة العرب، وهو الأمر الذي صعب على كلينتون أن يفهمه، في حين أن أيهود باراك يدركه ويفهمه جيدا، إلا أنه ترك كلينتون يغوص في مستنقعه.

وغضبت الولايات المتحدة الأمريكية وقتها بشدة من السعودية ومصر، معتبرة أنهما السبب الرئيسي في فشل المفاوضات، لأن الأولى أكدت ضرورة التمسك بالقدس، والثانية أيدتها بكل قوة.

واتهمت مصر ورئيسها بخيانة الأصدقاء الأمريكيين الذين يدفعون لها المعونة منذ كامب ديفيد الأولى، وبدلا من أن تضغط مصر على عرفات لمساندة كلينتون، سافر الرئيس المصري إلى السعودية واتفق في الرأي مع خادم الحرمين الشريفين المغفور له بإذن الله الملك فهد وولي عهده وقتها الأمير عبد الله بن عبد العزيز. الحقيقة التي لم يفهمها الأمريكيون، بل يصرون على عدم فهمها، أن تحرك الرئيس المصري نال كل التأييد من جانب الشعبين السعودي والمصري، وهذا هو الأهم، لأنه عبر عن الإرادة العربية، وانضمام مصر للسعودية في المواقف شرف وليس جريمة كما يراها الأمريكيون، لكن المشكلة أن القيادة الأمريكية يصعب عليها فهم نوع العلاقات بين السعودية ومصر ..

الغريب في الأمر، والذي لم أجد له إلا نصف جواب هو أمران: الأول المصالح الأمريكية الحقيقية عند العرب وعند المسلمين، وليست عند إسرائيل التي لا تمتلك شيئا غير الحقد والكراهية لكل شعوب العالم، ورغم ذلك تنحاز الإدارات الأمريكية لإسرائيل واليهود، وتهدر المصالح العربية .. لماذا ..؟!

والأمر الثاني أن الشعب الأمريكي شعب بسيط جدا في حياته ودود على استعداد لتقبل الآخر ، وإذا اقتربت منه تجد انه يختلف تماما في اتجاهاته السياسية عن اتجاهات قياداته، وهو ما يجعلنا نتساءل كيف وصلت هذه القيادات إلى الحكم ..؟!

عن هذه قال لي صديق أمريكي: «نحن شعب يتأثر بالإعلام بشكل كبير وهذا سر نجاح حكامنا».. إن الشعوب العربية مازالت تحب الشعب الأمريكي، فهل يمكن أن ينتقل هذا الحب إلى الإدارات الأمريكية..؟!

* كاتب مصري

[email protected]