لصوصية المساجد

TT

قال أحدهم انه ذهب إلى الهند مع بعض أصدقائه، بعضهم لينال نصيبه من تجارة، وبعضهم من اجل السياحة والفسحة، وبعضهم على أمل الحصول على فتاة جميلة وفقيرة ومكتملة من اجل الاقتران بها بأرخص الأسعار ـ خصوصاً وأنه في المدة الأخيرة كان هناك عدة فتيات هنديات تربعن على عرش ملكات جمال العالم ـ ويبدو أن تحسين النسل قد (عمل عمايله) في تلك الدولة ـ والله اعلم.

ويقول انه هو واثنين فقط من تلك المجموعة كان همهم الوحيد هو زيارة الآثار واكتشاف معادن الناس، ويمضي قائلاً: ذهبت مع زميلي لزيارة مسجد قديم لا تؤدى فيه الصلوات، حيث انه يخضع لعمليات ترميم وتحسين من أجل تأهيله لكي تقام فيه الفروض الخمسة فيما بعد، وعندما دلفنا إلى داخله، وجدنا هناك ثلاثة عمال يؤدون عملهم ببطء ورتابة.

أخذنا نطوف بأرجائه مستعيدين الماضي بكل حسناته وسيئاته، وفجأة توقف احدنا وقال إنني أريد أن اسأل هؤلاء العمال كلا على حدة، سؤالاً واحداً، وذلك لكي اختبرهم.. وتوجه لأولهم وسأله: ماذا تفعل هنا؟!، فنظر له العامل بنفاد صبر وغضب قائلاً: ألا ترى ماذا افعل؟!، فتركه وتوجه للثاني وسأله هو أيضاً: ماذا تفعل هنا؟!، فأجابه بنبرة هادئة وتعيسة: إنني رجل فقير معدم وأريد أن اكسب قوتي وقوت عيالي اليومي، فتركه وتوجه للثالث وطرح عليه نفس السؤال، فأجابه قائلاً: أنا أساعد في بناء دار للعبادة، لكي اصلي فيها أنا وأنت فيما بعد.

وهكذا كان رد العمال الفقراء الثلاثة مختلفاً ومتبايناً، الأول كان متضايقاً وقرفان، والثاني كان واقعياً، أما الثالث فاعتبر عمله شرفاً له ومكافأة.

وبما أننا لازلنا في صحن المسجد، فيقال إن هناك شيخاً طاعنا بالسن كان يؤدي الصلاة مع ابنه في احد المساجد، وعندما كان راكعاً سقطت محفظة نقوده على الأرض من دون أن يفطن هو إلى ذلك، وما كاد يسجد، حتى امتدت يد من كان بجانبه إلى حافظة النقود والتقطها بخفة ووضعها بجيبه، وما كاد الإمام يسلم بنهاية الصلاة، إلاّ وذلك الرجل قام من مكانه بسرعة وذهب إلى الركن القصي من المسجد لكي (يتسنن)، في هذا الوقت كان الابن الشاب قد انتبه للحادثة من أولها إلى آخرها، فقال لوالده: أريد من هذا اللص أن ينهي صلاته ويخرج من المسجد لأنني لا أريد أن اعمل معه مشكلة في الداخل، أما إذا خرج فسوف أمسح به الأرض، (واللي ما شاف يتفرج) فقال له والده الشيخ: لا، لا يا ابني الله يرضى عليك، فقد يكون يمر بفترة عصيبة وفي حاجة ماسة للنقود، وهذا هو ما دفعه إلى أن يفعل ذلك، ثم سأل ابنه: هل معك نقود؟!، فقال: نعم، قال: اعطني هي، فلما قدمها له، قال له: اذهب بها إلى ذلك الرجل الذي أخذ المحفظة وأعطها له صدقة لوجه الله، فلما ذهب الابن وقدم له النقود، أخذ ذلك الرجل يبكي ويقبل يد الابن ويعيد المحفظة ويعاهده على القرآن انه لن يعود إلى السرقة طوال حياته.

وبعدها أصبحت معرفة كاملة بينهم، تحولت إلى صداقة، وقد ألحقوه بالعمل عندهم، وفتح الله عليه باب الرزق الحلال فيما بعد.

وأخذ في كل مناسبة يردد قولته: جزى الله المحفظة والسرقة كل خير.

[email protected]