منح رشدي لقب «فارس».. خدم «القاعدة» وليس الأدب

TT

في 30 مايو عام 1919 كتب الشاعر والفنان الهندي الشهير رابيندراناث طاغور رسالة تاريخية رقيقة الى لورد تشلمسفورد ـ نائب الملك البريطاني في الهند ـ يتنازل فيها عن لقب فارس (سير) احتجاجا على واقعة القتل الجماعي في جاليانوالاباغ باغ. وقال طاغور في رسالته المميزة:

«جسامة الاجراءات التي اتخذتها الحكومة في البنجاب للسيطرة على بعض الاضطرابات المحلية كشفت بطريقة فظة لعقولنا عجز وضعنا كمواطنين بريطانيين في الهند. ان حدة العقوبات غير المتناسبة، على الشعب سيئ الحظ والوسائل التي نفذت بها، جعلتنا على قناعة، بان ما حدث ليس له مثيل في تاريخ الحكومات المتحضرة، فيما عدا بعض الاستثناءات المحدودة، الاخيرة والقصية. وإذا ما وضعنا في الاعتبار ان مثل هذه المعاملة فرضت على سكان بلا اعتبار للحياة البشرية، فلا بد من الجزم انه ليس لها أي مبرر سياسي ولا تبرير اخلاقي.. وهذه هي الاسباب التي دفعتني ان اطلب من سعادتك، بمزيد من الاحترام والأسف، اعفائي من لقب فارس».

وعندما افكر في رفض طاغور للقب وقبول سلمان رشدي الذي تلقى لقب فارس لخدماته للادب، قال سلمان رشدي انه يشعر بالبهجة والتواضع لحصوله على مثل هذا الشرف العظيم وممتن لقبول اعماله بهذه الطريقة. وتطرح العديد من الاسئلة نفسها، عن ماهية الادب وماهية العلاقة بين الادب والسياسة؟ فعلى سبيل المثال تلقى العميل الروسي المزدوج اولغ غورديفسكي لقب سير هو الاخر! ما هي العلاقة بين الاثنين، رشدي وغورديفسكي؟

في الآونة الأخيرة، قال توني بلير في خطاب القاه في لقاء مع معهد رويترز لدراسة الصحافة، ان وسائل الاعلام عبارة عن وحش ضار؟ فلننظر الى جانبي عملة بلير، اذا ما انتقدت وسائل الاعلام توني بلير بسبب الحرب ضد العراق، والتسبب في كارثة للشعب العراقي فهي وحش ضار، ولكن عندما يتعلق الامر بسلمان رشدي الذي تناول محمد رسول الاسلام وزوجته عائشة ام المؤمنين وسلمان الفارسي، وغيره من الصحابة، بل حتى ابراهيم، ابو اليهودية والمسيحية والإسلام، فهل يخدم ذلك الادب؟

وقرأت نقطة مثيرة للاهتمام في صحيفة The Sun. يقول كاتب المقال ان الساسة الذين يشكون من الصحافة اشبه بالبحارة الذين يتذمرون من الطقس. قال وزير الخارجية العراقية هوشيار زيباري ان منح رشدي لقب «فارس» كان بمثابة هدية للمتطرفين حول العالم، وقال ايضا ان التوقيت لم يكن صحيحا، يعني ذلك ان توني بلير قد ارتكب خطأ قبل ذهابه.

فقد كان هناك خلاف داخل حكومته بين وزيرة الخارجية السابقة مارغريت بيكيت ووزير الداخلية السابق جون ريد. ففيما قال ريد ان بريطانيا سترفض الاعتذار، أعربت بيكيت عن اسفها إزاء أي استياء اثاره منح سلمان رشدي لقب «فارس».

من ناحية اخرى، قال توني بلير للأب روس: «اللاهوت اكثر اثارة للاهتمام من السياسة». ترى، كيف يمكننا الربط بين المسيح ووصف بلير السلبي لوسائل الإعلام ومنح رشدي لقب «فارس»؟

يقاتل الجنود البريطانيون في العراق وأفغانستان ضد المتطرفين والإرهابيين، وبلير صب الزيت على النار. رد المفكرون الاسلاميون الباكستانيون بتشريفهم لزعيم «القاعدة» اسامة بن لادن، إذ ان أعضاء «مجلس العلماء» منحوا اسامة بن لادن لقب «سيف الله» كرد مباشر على قرار الحكومة البريطانية منح رشدي لقب «فارس».

وفي هذا السياق قال وزير الشؤون الدينية الباكستاني اعجاز الحق (ابن ضياء الحق) أمام البرلمان في اسلام أباد: «الغرب يتهم الاسلام بالتطرف والإرهاب. اذا فجر شخص قنبلة في جسده سيكون على صواب»، هذه هي النتائج التي انجزها بلير في ايامه الاخيرة.

التصريح ومنح اسامة بن لادن هذا اللقب يعني ان الكثير من الشباب سيقبلون بتنظيم «القاعدة» بوصفه مدافعا عن النبي محمد. فبلير قد منح هذه الفرصة لتنظيم «القاعدة» لقتل الجنود البريطانيين. منح رشدي لقب «فارس» لم يخدم الأدب، وإنما خدم «القاعدة».