شفافية

TT

أكثر من ثماني سنوات مرت على اندلاع قضية الممرضات البلغاريات والطبيب البلغاري من أصل فلسطيني المسجونين في ليبيا والمحكومين بالإعدام بتهمة نقل فيروس الإيدز إلى ما يربو على الأربعمائة طفل ليبي عبر دماء ملوثة.

حالياً نحن نعيش ربما الفصول الأخيرة لهذا الملف من دون أن يعني ذلك كشف الحقائق أو الملابسات الفعلية التي رافقت هذه المأساة والتي زلزلت حياة أسر بأكملها.

محنة فعلية تلك التي أُسقطت على 426 طفلاً وذويهم، وهذه هي القضية، أما ما يجري حولها فهو تسويات مريبة على الأرجح وصفقات جرى عبرها تمويه من هو الجاني فعلياً ومن الضحية. وهي ليست المرة الأولى التي تتمكن فيها ليبيا من إبرام صفقة مع الغرب.

لم تلق هذه القضية أصداء فعلية في الإعلام العربي وقد عمد النظام الليبي إلى الترويج لنظرية وقوف الموساد الاسرائيلي خلف هذه القضية. كان هذا الترويج سبباً كافياً لدغدغة مشاعر شعبوية..

تلقائياً، تراجع حسّ المساءلة وجرى تغليب نظرية المؤامرة.

قبل الحديث عن قصور في الاهتمام الإعلامي، هناك حقيقة محالٌ تجاوزها، ففي عصر الصورة والمعلومة لا تزال ليبيا تعيش وراء أسوار من حديد حين يتعلق الأمر بحرية الصحافة.

في تقريرها للعام الماضي، سمّتْ لجنة حماية الصحافيين CPJ الدولية ليبيا من بين أول خمس دول في العالم تُضيق بشكل غير مسبوق على حرية الصحافة.

وإن كان مثلث الأحداث العربية الساخنة ينحصر غالباً في العراق وفلسطين وأحياناً لبنان، فإن قضية من صنف محاكمة الممرضات البلغاريات تنبهنا مجدداً كم نحن نجهل ما يحدث في هذا البلد.

لننظر فقط إلى تطورات القضية خصوصاً في مراحلها الأخيرة، فالتسوية تقضي بدفع تعويضات للضحايا (وهذا أمر ضروري بالتأكيد) لكن في المقابل لماذا على المتهمات أن يوقعن وثائق يمنع عليهن بموجبها رفع أي دعوى قضائية ضد ليبيا!!!

هل تخشى ليبيا ملاحقة دولية على القضية برمتها بعد أن يصدر العفو عن المتهمات؟؟

وكيف يمكن للسلطة الليبية أن تتمتع بسلطة تغيير الأحكام أو إصدار عفو على النحو الحاصل اليوم!!

التقارير المتنوعة عن تعرّض الممرضات والطبيب من أصل فلسطيني للتعذيب أسقطت من المتابعة، أما الأهم، فهو تقاطع معلومات من مصادر متعددة حول أن تفشي العدوى بدأ قبل وصول الممرضات والطبيب إلى المستشفى الليبي.

يصعب التكهن بحقيقة هذه القضية لكن بالتأكيد المسار الذي آلت إليه الأمور يثير الكثير من الريبة.

ليبيا نموذج فعلي لمعنى أن يُجبر شعب بأكمله وفي هذا العصر، عصر الصورة، على عدم الاستفادة من الإعلام.

diana@ asharqalawsat.com