قراءة في بعض ملامح العنف

TT

من كان يصدق أن مجتمعنا الذي يتسم بالحياء والمروءة والشرف يظهر من بين أبنائه مقتحم منازل يهدد الآمنين، ويروع المطمئنين، فيعتدي على النساء، ويسلب الأموال، حتى استحق لقب سفاح المدينة المنورة؟! من كان يتخيل أن مجتمعنا المتراحم المتدين العطوف يخرج من بين ظهرانيه من يختطف اثنين من مواطنيه ليطالب بفدية مقابل إطلاق سراحهم؟! من كان يتصور أن تضم سجوننا المئات من القتلة الذين ينامون على فراش القلق بين قبول ذوي الدم للدية أو مواجهة القصاص؟! من كان يظن أن المئات من شبابنا يمكن أن يذهبوا ضحية استقطاب مخادع فيتورطوا في فتن خارجية لا علم لهم بدوافعها ومحركاتها؟!

أقرأ عن الشاب الذي تحول إلى سفاح، فهدد سكان مدينته المقدسة، وأقض مضاجع أهلها بجرائمه وعنفه وبلادة ضميره، وأقف احتراما لرجال أمننا الذين استطاعوا الوصول إليه، وتسليمه للعدالة لتحكم عليه بالقتل تعزيرا، وليتم تنفيذ ذلك أمام أعين الناس الذين عانوا من جرائمه وويلاته.. وأطالع ما تنشره الصحف هذه الأيام عن المواطن الذي ساق شابين سعوديين إلى اليمن، ويطالب بـ 300 ألف ريال فدية لكي يطلق سراحهما، وأتعجب من هذه الجرأة الوقحة، التي حينما كنا نشاهد مثلها في الأفلام نعلق بأنها مجرد أضغاث خيال.. وأقرأ عن القتلة المساجين ومزاد الديات، فأسأل الله العافية.. أما عن الشباب السعودي الذي يتساقط في نهر البارد بين قتيل وأسير، فلا تمتلك وأنت تتابع نشرات الأخبار إلا أن تشحذ ذهنك بحثا عن المؤثرات التي خضع لها أولئك الشباب الغض ليتركوا أسرهم ووطنهم، ويتحولون إلى أداة حرب في فتن لا يعلمون شيئا عن أسبابها، ومنطلقاتها، وتعقيداتها، وخلفياتها، ولا حتى عن جغرافيتها، إذ توهم بعضهم أنها على بعد أميال من القدس، وكنت أقرأ قصة أحدهم من لحظة مغادرة مدينته حتى وصوله إلى مخيم نهر البارد، واستعيذ بالله من سذاجة تودي بصاحبها إلى موارد التهلكة.

اليوم ليس ثمة مجتمع في معزل عن تيارات العنف التي تسود العالم، ولكل مجتمع وسائل صموده في مواجهة تلك التيارات، وقد نجحنا أمنيا في مقاومة ظواهر العنف، ولكننا لم نزل في حاجة إلى نجاحات تربوية واجتماعية وفكرية موازية لذلك النجاح لكي لا نلقي على كاهل الجهاز الأمني وحده مسؤولية إصلاح ما أفسده بعض الأسر، وبعض المعلمين، وبعض المجتمع.

[email protected]