لغز المومياء المجهولة

TT

بعد الإعلان عن كشف مومياء الملكة «حتشبسوت» توالت المفاجآت التي لم نتوقعها، فعندما قمنا بفحص المومياء المعروفة بأنها للملك «تحتمس الأول» والموجودة بالمتحف المصري بعد أن نقلت من متحف بولاق الذي استقرت به منذ عام 1881، وجدنا أنها ليست مومياء هذا الملك.

وتبدأ القصة عندما كشفت عائلة عبد الرسول عن هذه المومياء ضمن أربعين مومياء ملكية بخبيئة الدير البحري، وذلك عندما كان أحمد عبد الرسول يرعى الأغنام بالبر الغربي وشردت منه شاة، فما كان منه إلا أن صعد وراءها الجبل ليعثر على بئر عميقة، وبخفة أهالي القرنة نزل البئر ليعثر على المومياوات وكنوز من الذهب والفضة. وخرج ليخبر عائلته بالسر الذي أقسموا على عدم إفشائه لأحد، ودخلوا الخبيئة ثلاث مرات خلال عشر سنوات، أخذوا منها ما خف حمله وباعوه إلى مصطفى أغا قنصل إنجلترا المختص في سرقة الآثار. وعندما وردت معلومات إلى ماسبيرو وكان في ذلك الوقت مساعداً لأول رئيس لمصلحة الآثار أوجست مارييت بأن هناك قطعا أثرية ملكية تباع فى أسواق أوروبا، فطن ماسبيرو إلى أنه لا بد وأن يكون مصطفى آغا وراء ذلك، وأبلغ السلطات التي ظلت تراقبه حتى توصلوا إلى أن عائلة عبد الرسول هي وراء هذه السرقة، وقاموا بالقبض على أحد أفرادها والذي ظل في السجن حوالي ستة شهور من دون أن يعترف، وعندما عاد لأسرته طالب بنصيب أكبر من الكنز لتعويضه عن أهوال السجن، ولكنهم رفضوا وظلوا يتشاحنون إلى أن ذهب إلى مديرية شرطة قنا ليفشي سر الخبيئة.

وحضر إلى الأقصر أحمد باشا كمال ومعه ماسبيرو ليقوما بنقل أربعين مومياء ملكية وكنوزا أثرية لا يمكن وصفها إلى القاهرة في موكب مهيب ودعه الأهالي، كما لو كانوا يشيعون موتاهم، وصور كل هذا العبقري شادي عبد السلام في فيلم «المومياء» الذي هو واحد من علامات السينما المصرية، وعندما وصلت المومياوات إلى ميناء القاهرة ببولاق عجز موظف الجمارك عن كيفية تسجيل دخولها، حيث لا يوجد في دفتر التصدير والاستيراد كلمة مومياء؛ لذلك وافقوا على دخولها تحت مسمى سمك مملح.

ونعود إلى المومياء المعروفة بأنها مومياء «تحتمس الأول» فقد عثر عليها داخل تابوتين الأول يرجع إلى الأسرة 21، والثاني للأسرة 18، وذكر عالم الآثار دارسي أنه قرأ خرطوش «تحتمس الأول» على تابوت الأسرة 18. وظل العلماء في حيرة من أمر هذه المومياء.

وبفحص المومياء بالأشعة المقطعية تبين الآتي: ان وضع اليدين ليس وضعاً ملكياً، حيث الذراعان لا يتقاطعان على الصدر كما هو الحال في المومياوات الملكية، إضافة إلى أن المومياء لرجل مات فى العقد الثالث من عمره، أي أنه لكي ينجب «حتشبسوت» والتي ماتت وهي في الخمسين من عمرها، كان لا بد أن يكون في عمر الخامسة عشرة. أما المفاجأة المثيرة فهي العثور داخل صدر المومياء على رأس سهم، الأمر الذي قد يشير إلى أنه قتل في معركة حربية ولا يوجد أي دليل تاريخي على أن الملك «تحتمس الأول» مات في معركة حربية؛ ولذلك فإن هذه المومياء بالمتحف المصري ليست هي مومياء الملك «تحتمس الأول».

* في المقال السابق ضربت مثالا بتصوير ملكة (بونت) البدينة والقصيرة على جدران معبد حتشبسوت، ضمن مناظر بعثتها التجارية إلى بلاد (بونت)، وذكرت أن تصوير ملكة (بونت) بهذه الهيئة، هو دليل على أن حتشبسوت لم تكن أبداً ملكة بدينة عن قبح، فلو كانت كذلك لأستشعر الفنان الحرج عند تصوير ملكة (بونت) البدينة. وللأسف حدث خطأ أثناء جمع المقال للنشر، حيث سقطت ]ملكة بونت[ فتغير المعنى الذي قد يفهمه القارئ بأن حتشبسوت هي الملكة القصيرة البدينة المصورة على جدران معبدها، وهذا خطأ لا بد أن ننوه عنه.