القضاء العربي والقانون الغربي

TT

في الثمانينات قطعت بريطانيا العلاقات مع ليبيا حول مسألتين: اقدام «ديبلوماسي» من السفارة الليبية على قتل الشرطية البريطانية فلتشر، وقضية «لوكربي». وفي المرحلة نفسها قرر قاضي التحقيق الفرنسي الشهير دو بروغيير الذهاب الى ليبيا في غواصة لكي يحقق في حادثة اسقاط طائرة «يوتا» التي ادت الى اغلاق الشركة حاملة الاسم. ودفعت ليبيا تعويضات بالمليارات لضحايا لوكربي وبالملايين لضحايا طائرة «يوتا» فما كان من فرنسا إلا ان طالبت بزيادة تعويضات ضحاياها. وقد حدث.

بعد تسوية المسألتين، كان اول القادمين الى خيمة العقيد القذافي في سرت، وليس الى العاصمة الرسمية، رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير والرئيس الفرنسي جاك شيراك. وعندما اكتشفت ليبيا ان قضية القيم والارواح البشرية ليست اكثر من هذا في الغرب ايضا، قررت ان ترفع ثمن تسليم الممرضات البلغاريات ليس فقط ماليا (200 مليون يورو) كما أشيع، بل سياسيا ايضا فطالبت «بالشراكة» ـ وليس فقط بالعلاقة ـ مع الوحدة الاوروبية. ولو لم تكن الجماهيرية منهمكة انهماكا كليا في توحيد افريقيا، لما ترددت في المطالبة بالعضوية الفورية في الوحدة الاوروبية.

ذكر الكاتب المحترم حمد الماجد (الرأي الاثنين، 23/7/2007)، ان قضية الممرضات البلغاريات «كشفت القضاء العربي المصاب». ولا يضاف الى ذلك. والى الآن لا يعرف أحد كيف يمكن لسبع ممرضات وطبيب فلسطيني التآمر لتلويث دماء 400 طفل بريء من بلد ذهبوا اليه طلبا للرزق وليس لارتكاب جريمة قتل جماعي. واذا حدث ان اتفق ثمانية في مستشفى على القتل الجماعي فكيف لا تكون هناك ايضا مسؤولية لرقيب او مدير مستشفى أو ممرض أو مزوَّد بالدماء الملوثة، فمن أين أتت في الأساس وكيف وصلت الى المستشفى قبل ان تصل الى أيدي دراكولا.

تحركت كل اوروبا لكي تقايض في صورة علنية في حكم قضائي لم يقنع أحدا. والمسألة هنا ليست مسألة القضاء العربي المصاب، فهذا قدر مقيم، لكنها مسألة القيم في الغرب، والاستعداد للتنازل والمبادلة والمقايضة. وقد ادركت ليبيا ذلك وهي تشاهد كيف تدافع مندوبو الشركات وسياسيو الحكومات، على ابوابها، يطلبون العقود ويتوسلون المناقصات. لكن لا بد ان نشكر اوروبا ايضا على ضم الطبيب الفلسطيني الى الفريق البلغاري. فلولا ذلك لما شعر بأمره أحد، ولا خطر لعربي ان يراجع في قضيته، لأن العرب يعرفون من تجاربهم مدى «شفافية القضاء الليبي»، كما أكدت صحيفة «الفجر الجديد».