بنات ليبيا: أساتذة كل العصور!

TT

الطبيب لكي يقوم بعملية جراحية لا بد من تخدير المريض حتى لا يتحرك.. كأنه توقفت حياته حتى يرى مسار الحياة أوضح. وكل عمليات تشريح الإنسان والحيوان تتم بعد أن تكون الحياة بلا حياة. وحتى اذا أردنا ان ندرس التاريخ. فأسهل ان ندرس الماضي الذي توقف عن الحركة حتى نراه أوضح.. ولذلك فهناك نوعان من التاريخ:

التأريخ ـ بالهمزة.. والتاريخ بلا همزة..

التأريخ ـ بالهمزة ـ هو دراسة الوثائق التاريخية..

والماضي البعيد وكلما كان بعيداً كان أفضل وأوضح أي الماضي الذي لم يعد يتحرك.. الذي لم يعد قادراً على أن يضيف شيئاً. أما التاريخ ـ من غير همزة ـ فهو التاريخ الحي.. الحاضر.. أو حتى المستقبل. والتاريخ من غير همزة هي تجربة حياة.. أو هي معايشة كائن حي. وهذه هي نظرية فيلسوف الحضارة الالماني اشبنجلر.. وهو يرى أن الماضي هو الذي كان حاضراً بعد ان خرجت منه الحياة..

والحاضر هو الذي سوف يكون ماضياً ولكن ما تزال فيه حياة.. فإن أردت التأريخ ـ بالهمزة ـ فانتظر حتى يموت وإذا أردت التاريخ بلا همزة فأمامك التاريخ الحي الذي يلقي ظلاله على المستقبل، أو بعبارة أخرى التأريخ بالهمزة هو الوثائق هو الوقائع التي وقعت، والتاريخ بلا همزة هو كل الأحياء.. فإذا ماتوا أضفنا الهمزة..

واستاذنا في كل ذلك هو حيوان الجرجون الاسطوري أو الذي يسمى أيضاً ببنات ليبيا.

فهذا الحيوان إذا نظر إلى شيء صار حجراً:

النبات والحيوان والإنسان.. أي الذي يجعل كل شيء ميتاً.. ماضياً..

وضج الناس بهذا الحيوان.. ولكنهم اهتدوا الى حيلة.. والحيلة قضت عليه.. لقد أتوا بمرايا كثيرة فلما نظرت فيها بنات الجرجون أو بنات ليبيا تحولن الى تماثيل من الحجارة. فحتى الجرجون كان لا بد من موتها لكي نعرف ماضيها.. فالتأريخيون ـ بالهمزة ـ تلامذة بنات ليبيا.. والتاريخيون ـ بلا همزة ـ تلامذة الشعراء والفنانين!