فلس لكل ذبابة

TT

يؤكد الشيوعيون دائماً على الواقعية والعلمية والموضوعية وينددون بالخيالات والمثاليات. ولكنني لم أجد بشراً يوقعون أنفسهم في مطبات المثالية وخيالاتها كالشيوعيين. من اول ما يخطر للبال من مطباتهم الخيالية المضحكة عزم الحزب الشيوعي الصيني في ايام موتس تونغ والثورة الثقافية على القضاء على العصافير التي تأكل الحبوب بالتصفيق والضرب على الاواني والطناجر. قالوا إن هذا سيفزع العصافير ويحول دون هبوطها على الارض وتبقى طائرة حتى تموت في الهواء من الاعياء والتعب. انشغل الشعب الصيني في هذه الحملة لعدة اشهر. توقف الناس عن العمل ليقفوا في الطرقات والمزارع يضربون على الاواني المعدنية ليفزعوا العصافير ويمنعوها من الراحة. فكرة رائعة! أليس كذلك؟

كلا. فما حصل ان العصافير الصينية ماتت ولكن حلت محلها عصافير اجنبية من الدول المجاورة. ليس ذلك فقط. ادى النقص في عدد العصافير الى تكاثر الجراد التي اعتادت العصافير على اكلها. وهكذا فبعد ان انقذ الفلاحون حبوبهم من العصافير جعلوها طعاما للجراد! وأكثر من ذلك، هبطت انتاجية البلاد بشكل مخيف نتيجة توقف الناس عن العمل و انشغالهم بالتصفيق والتضجيج.

ينتظر الإنسان بعد هذه التجربة ان يرعوي الحزب الشيوعي الصيني عن تكرار التجربة. ولكن الاخبار من الصين تقول انهم في حرصهم على خلق بيئة نظيفة مريحة لأبطال سباقات الاولمبياد التي ستعقد في الصين عام 2008، شنوا حملة لمكافحة الذباب. عرضوا مبلغ نصف يوان، او ما يساوي تقريباً الفلس الواحد عن كل ذبابة حية او ميتة يأتي بها المواطن ويسلمها للبلدية! دفعت بلدية لويانغ ما يزيد على الاربعين يورو ثمنا للذبابات الميتة التي جاء بها مواطن واحد سلمهم عدا ونقدا 2000 ذبابة ميتة.

وهذا امر حيرني. كيف استطاع هذا المواطن ان يلقي القبض على هذا العدد من الذبانات وانا قضيت كل حياتي احلم بقتل ذبانة واحدة واعجز عن ذلك. فكرت في الأمر وخلصت الى هذا الاستنتاج, وهو ان هذا المواطن الصيني الشاطر كان يربي هذا الجمع من الذباب في صندوق خاص يشجعهم على الحب والتزاوج والإنجاب. اقول ذلك من معرفتي بتجربة مشابهة اجرتها استراليا عندما انتشرت فيها الجرذان الى مستوى وبائي.

اعلنت السلطات عن مكافأة عن كل جرذي يسلمه المواطنون للبلدية. استغرب الموظف المسؤول من رجل يأتيهم كل يوم بعشرين او ثلاثين جرذياً ويطالب بمكافأته. سأله الموظف كيف توفق بصيد كل هذا العدد من الجرذان يومياً؟ اجابه الرجل قائلا: «اصيدها؟! من قال لكم اني اصيدها؟ هذه جرذان اربيها خصيصا لكم!».

وهذا مما يدل على ان الشيوعيين ليسوا وحيدين في الجري وراء الخيالات؟ للرأسمالية ايضا خيالاتها وأوهامها. انظروا ما فعلوه في العراق باسم إقامة الديمقراطية.