الناس تريد العيش بكرامة

TT

بالرغم من الوضع المأساوي والمشهد الدموي الذي يعصف بالصومال حاليا، نتاج الحرب الاهلية الطويلة، وهي النابعة من خلافات عشائرية وقبلــية حمــقاء، أضيف اليها مؤخرا تطرف ديني مقيت وتعصب جاهلي. بالرغم من هذا كله، قامت الحكومة الانتقالية الفيدرالية بالتوقيع على عقد لافت مع شركة البترول الوطنية الصينية، المملوكة لحكومة الصين، والعقد فيه مغريات بالغة الأهمية بالنسبة للصومال، وخصوصا فيما يتعلق بالعوائد المالية المتوقعة، ولكن الأهم أن هذا العقد يؤكد توغل وثبات القدم الصينية المتزايدة في القارة الافريقية عموما في الجزء الشرقي منها، والقرن الافريقي منها تحديدا.

ولعل الوجود القوي للصين في القطاع النفطي السوداني، ما هو إلا تأكيد بالغ الاهمية على هذه النقطة. وقد تكون هذه الاتفاقية هي مفتاح السلام والاستقرار والأمان للصومال، وبداية التنفس الاقتصادي المنتظم لبلد أنهكته المآسي وشردت أبناءه الى مختلف أنحاء العالم. وقد نتج من هذه الاتفاقية مع الشركة الصينية منح مواطني الصومال الطمأنينة والثقة لأجل العمل والاستثمار الجاد، وهو ما فشلت فيه تماما قوات وميليشيات المحاكم الاسلامية التي اعتنت بالقتال والاقتتال البيني، وولدت فتنة عارمة أصابت الجميع بالضرر، وذلك بدلا من الاعتناء بفرص العمل وتحسين مناخه بشكل ملموس.

الناس ببساطة شديدة تبحث عن الرزق الحقيقي والعيش بكرامة، ولم تعد تكترث بالقيادات المضللة ولا الشعارات الفارغة, ومهما بلغت أهمية العلاقات البينية مع مصدري هذه الشعارت ومكانتهم، إلا أن الواقع يبقى دوما أبلغ وأشد.

هناك مثل حي يؤكد هذه الفكرة، وهو طبيعة العلاقات الموجودة والأزلية التي كانت ولا تزال بين مصر والسودان، والتي لم تتطور بالشكل الذي كان متوقعا، وخصوصا أن البلدين تقريبا كانا بلدا واحدا وكيانا واحدا، إلا أن السودانيين كانوا دائما يعتقدون أن المصريين ما زالوا يعاملون السودانيين (وكما تظهر الافلام المصرية القديمة في ادوار بسيطة وسطحية) بطريقة دونية، وهي نظرة هشة وعنصرية وناقصة، مما ولد علاقة غير متكافئة ومريضة، أدت الى أن يتجه السودان صوب مصالحه عن طريق الصين، لتصبح الصين الشريك الرئيسي والأهم في عالم التجارة، بالرغم من الظروف شديدة الصعوبة.

اتجاه دول افريقيا للصين نتيجة طبيعية ومنطقية للاهمال العربي والغربي لهذه المنطقة الحيوية والمهمة من العالم. ولكن هذه التجربة (الصومالية والسودانية) تثبت بشكل عملي وواضح أن الهم الاقتصادي هو الأهم، ويبقى هو القادر على تحقيق الحدود الدنيا من هذا الفهم النبيل، أي العيش الكريم لأهله، وهذا طبعا قمة الحكمة.

[email protected]