انقلاب أبو مازن في فتح

TT

لا أستطيع أن أصف ما حدث منذ تشكيل لجنة التحقيق في هزيمة فتح في غزة الا بالقول انه انقلاب ثان، بعد انقلاب تنظيم حماس على فتح في القطاع. هذه المرة قاد الانقلاب الأبيض الرئيس محمود عباس، القائد المتهم بضعف الشخصية والعجز عن التغيير.

الرئيس عباس اختار التوقيت الحساس، والمناسبة الخطيرة، ليقوم بانقلابه أخيرا بعد ان انتظرت منه مثل هذه العملية الجراحية منذ اختياره رئيسا في عام 2004. ها هو اقوى رجالات فتح محمد دحلان، وكذلك ياسر عبد ربه، وستون من كبار ضباط فتح يخرجون او يهبطون في أول زئير يسمع للرئيس، الذي خرج عن أسلوبه المهادن الى الزعيم المهاجم الذي يبدو انه يقود شخصيا المعركة الجديدة.

وبغض النظر عن قراراته المتأرجحة يبقى ابو مازن ضرورة فلسطينية بعد ان عاش الفلسطينيون كاليتامى منذ رحيل ياسر عرفات، شعب في معركة بلا قيادة حقيقية. الفلسطينيون اعتادوا على ابو عمار الذي حكمهم في الشتات والداخل 36 عاما فملأ حياتهم، وعجز كل من جرب الصعود منافسته على الزعامة، بمن فيهم الراحل الشيخ أحمد ياسين، رغم انه ملك جمهورا كبيرا وجرب كثيرون مزاحمته بلا حظ.

ابو عمار لم يكن زعيما فقط بحكم رئاسته للسلطة وفتح، بل لخصال عديدة منها الدهاء والمركزية والحسم والمهادنة والتحالفات المعقدة عربيا وفلسطينيا. أما أبو مازن فقد آلت اليه القيادة وراثيا، بلا تحد من قيادات داخل فتح بحكم الأقدمية والاحترام الذي حظي به، لكن لم تظهر عليه خصال قيادية طوال الثلاث سنوات الماضية. لم يحسم شيئا من الأزمات المتكررة داخل الساحة الفلسطينية، وحتى داخل دائرة فتح. وبلغت الاستهانة به درجة جرأت عليه شركاؤه في حماس، مع انه هو الذي ادخلهم الحكم، فتآمروا على قتله، ثم انقلبوا عليه واستولوا على حكم غزة في استعراض ضد قيادة ابو مازن.

وربما كانت تلك القشة التي قضمت ظهر البعير فأيقظت الرئيس عباس الذي تخلى عن سكونه وشرع في إطلاق النار على كل الخصوم المحتملين.

وقد فوجئنا بالبيان الاستباقي الذي اذاعه نبيل عمرو قبيل صلاة الجمعة، معلنا عن محاسبة الستين ضابطا، وقبلها استقالة دحلان، وقبلها أيضا تشكيله حكومتين لسلام فياض، وبدأها الرئيس بخطاب عنيف ضد حماس كشف فيه عن محاولة اغتياله.

سلسلة خطوات شجاعة عبرت إما عن يقظة الاسد النائم ابو مازن الذي انتبه الى انهم لم يستهدفوا صلاحياته فحسب، بل تآمروا على حياته أيضا، أو انها تعبر عن خطة حيث كان ابو مازن ينتظر الوقت المناسب للانقضاض على خصومه في الداخل والخارج. ولو نجح في انقلابه الداخلي، يكون ابو مازن قد امسك بكل القيادة وحقق سلطة كاملة، خاصة انه أغلق على حماس القفص الذي دخلته بإرادتها بعد ان انفردت بحكم غزة، وصارت في مواجهة المدفع الاسرائيلي، ومواجهة مليون ونصف المليون فلسطيني يريدون منها ماء وكهرباء وغازا ومعاشات وخبزا.

الآن بعد «انقلابه» المضاد خلا له الجو، وبات عليه اصلاح وترتيب السلطة وتغيير الصورة السيئة عن فتح وقيادة الشعب الفلسطيني نحو مشروع الدولة الفلسطينية الحلم.

[email protected]