إنقاذ الحقيقة من جلبة الغوغاء

TT

تتسيد الغوغاء الصورة حينما تغيب استطلاعات الرأي العلمية الدقيقة، وفي عالمنا العربي والإسلامي تأخرت ـ أو عرقلت ـ تلك الاستطلاعات طويلا، لكي لا تظهر في الصورة سوى أهزوجة «الروح والدم» التي تلجأ إليها الدكتاتوريات لاحتلال شاشات التلفاز بواسطة الغوغاء. وحسنا أن تهب رياح تلك الاستطلاعات في عالمنا حديثا لتنقذ الحقيقة من جلبة الغوغاء، فالاستطلاع الذي اجرته مؤسسة «بيو» الأمريكية، والذي جاءت فيه السعودية في المرتبة الأولى بين الدول العربية والإسلامية التي شملها الاستطلاع، من حيث إعجاب الدول بها، وكذلك المرتبة الأولى التي حظي بها العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بين قادة الدول الإسلامية، من حيث الإعجاب بسياسته الخارجية، يعكس سلامة النهج الذي انتهجته السعودية في علاقاتها الدولية، فالسعودية تحرص على تقديم النموذج الأمثل لما يفترض أن تكون عليه العلاقة بين الأشقاء، بكل ما يتطلبه ذلك النموذج من دعم وصبر وتسامح وتفهم واحترام للآخر، ويكتسب ذلك النموذج ثباته واستمراريته وتميزه من عقلانية القيادة، ومصداقيتها، وأهليتها للثقة.

هذا النموذج أو النهج أصبح منذ تأسيس السعودية على يد الملك عبد العزيز، من الملامح الثابتة التي ميزت العلاقات الخارجية السعودية، وحرص على تعميقها أبناؤه من بعده الملوك: سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وصولا إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي حرص على أن يجعل من السعودية دارا لنبذ الخلافات، وملاذا للتلاقي، ولذا لم يكن مفاجئا أن يشير الاستطلاع إلى أنه الشخصية الأكثر ثقة لدى معظم شعوب الشرق الأوسط، إذ اعتبره 88% من المصريين، و83% من الكويتيين، و81% من الأردنيين، 79% من اللبنانيين الشخصية الأكثر ثقة للقيام بما هو صحيح في الشؤون العالمية.

وأن تأتي الشقيقة مصر ـ في نفس الاستطلاع ـ في المرتبة التالية بعد السعودية، فيما يتعلق بالآراء الإيجابية للشعوب الإسلامية تجاهها، فذلك تأكيد ـ أيضا ـ على نضج الشعوب الإسلامية، وتغليبها توجهات الاعتدال والتعقل والحكمة على توجهات التطرف، والمغامرة غير المحمودة، والإثارة الجوفاء.. وفي هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الأمتين العربية والإسلامية يحسن أن يستقر مؤشر بوصلة الشعوب تجاه محور الاعتدال ليقود السفينة بعيدا عن تشنجات الراديكاليين، وهتافات الغوغاء، ومغامرات الحمقى، فليس ثمة مزيد من الوقت لكي نهدره في انتظار أن تحقق «العنتريات» وعودها المستحيلة.

[email protected]