أي لص تتمنّى أن تكون؟!

TT

هناك حادثة تروى، بأنه بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، رجع مجموعة من المحاربين إلى قريتهم في فرنسا، وظفروا بعيشة هنية، ما عدا واحد منهم يُقال له: (ليو)، حيث إنه تعرض أثناء الحرب لغاز سام أثر على قواه وأنهكه إلى درجة أنه أصبح عاجزاً عن مزاولة أي عمل منتظم، فافتقر وغدا مثلما يقولون: (على الحديدة).

غير أنه كان عفيف النفس ولم يلجأ للاستجداء والشحاذة، وأخذ يكابد من أجل الحصول على قوت يومه.

واحتفاء بالمحاربين العائدين من ميادين القتال، أقام أغنى رجل في القرية واسمه (غراندان)، حفلة لهم في منزله الكبير، وكان من ضمن الحاضرين (ليو)، وأفرط الجميع في الطعام والشراب، وعرض صاحب الدعوة قطعة ذهبية أثرية على الجميع، وأخذ يعدد مزاياها بفخر أمامهم، فطفق كل رجل يتناولها من الآخر ويتفحصها، ومن شدة إفراطهم في كل شيء، أخذت القاعة تتجاوب مع أحاديثهم الصاخبة، في جو محموم وعابق بدخان السجائر.. وفي آخر الليل تذكر (غراندان) القطعة الذهبية فلم يجدها، لقد ضاعت بين الأيدي.

وضجّ الجميع مستنكرين فقدان تلك القطعة الثمينة، واقترح أحد الحاضرين أن يتفتش الجميع، فوافقوا كلهم على ذلك، غير أن (ليو) كان هو الوحيد الذي رفض أن يتفتش.

فسأله صاحب الدعوة: هل تدرك ما ينطوي عليه رفضك؟!

فأجابه: لم أسرق قطعة الذهب، ولن أسمح بأن يفتشني أحد.

وبما أن الجميع قد قلبوا جيوبهم، فقد انحصرت الشبهة في (ليو). فقرر الجميع طرده من القاعة، ومن ثم مقاطعته طيلة حياته، وفعلاً صار أبناء القرية يشيحون بوجوههم عنه كلما قابلوه، وأصبح وصمة عار متحركة، إلى درجة أنه عندما ماتت زوجته لم يعبأ أو يأت أحد لمواساته، واضطر أن يدفنها وحيداً.

وبعد بضعة أعوام قرر (غراندان) أن يبدل ويجدد أثاث منزله، فإذا بأحد العمال يعثر على قطعة الذهب مطمورة في تراب بين لوحين من أرض غرفة الطعام.

فندم على اتهامه لـ(ليو)، وأسرع إلى كوخه ليعتذر له، وسأله: إنني متعجب من موقفك، فطالما أن قطعة الذهب لم تكن في جيبك، لماذا رفضت أن تفتش؟!

فنظر إليه (ليو) الهزيل بعينين خبا نورهما وقال: لأنني يومئذ كنت لصاً، فقد مكثت أنا وأسرتي أسابيع لا نجد ما يمسك رمقنا، وكانت جيوبي أثناءها ممتلئة بالطعام الذي سرقته من على المائدة لأحمله إلى بيتي لزوجتي وأولادي الذين يتضورون جوعاً.

فهل كان (ليو) عندما سرق الطعام لصاً شريفاً؟!

وهل لو أنه سرق قطعة الذهب كان لصاً حقيراً؟!

هل اللصوصية أنواع؟! بعضها مقبول وبعضها مرفوض؟!

ولو أنهم خيّروك أيها القارئ العزيز أن تختار، فأي لص تتمنّى أن تكون؟!

[email protected]