.. ورحل رائد الدبلوماسية العربية

TT

انضم يوم 24/7/2007 الشيخ محمد ناصر المنقور سفير المملكة العربية السعودية الأسبق في لندن خلال الفترة (1979 ـ 1993) ورائد الدبلوماسية العربية، الى قافلة الراحلين الى الدار الآخرة، الذين تسنموا المجد عبر المهارة السياسية والخلقية والاجتماعية والوطنية.

عرف ناصر المنقور بتواضعه وانتمائه ووفائه.. كان يعاونه في السفارة مجموعة من الدبلوماسيين المتميزين، أذكر منهم ناجي المفتي وابراهيم الموصلي وعبد الله بري.

كان رحمه الله نموذجا للدبلوماسي الناجح وله وزن كبير، فعلى المستوى المهني، بنى للمملكة علاقات متينة مع مختلف مؤسسات الدولة البريطانية ورموزها، بما يعود بالنفع على بلاده وعلى أمته، وفي عهده كان ولأول مرة يحضر الأمير تشارلز وزوجته الراحلة ديانا بعض المناسبات الوطنية السعودية.. وهذا نادرا ما يحدث، وأثناء خدمته كانت هناك زيارتان ملكيتان ناجحتان لبريطانيا، إحداهما للملك خالد والأخرى للملك فهد رحمهما الله.. دعا على شرفهما وبحضور الملكة والأسرة المالكة مئات من وجهاء الجاليتين العربية والإسلامية، والنخبة من المجتمع البريطاني من سياسيين وأكاديميين وإعلاميين واقتصاديين.

كان راعيا وحاضنا للجالية العربية والإسلامية، يلتقيهم وقياداتهم في مجلسه الاسبوعي كل يوم أربعاء في مقر اقامته، جنبا الى جنب مع أبناء الجالية السعودية المقيمة والزائرة، مهما كانت مراتبهم ومستوياتهم، لدرجة ان مجلسه هذا أصبح ملتقى سياسيا وثقافيا وفكريا.. وعنه أخذ بعض السفراء الفكرة وطبقوها في لندن وفي عواصم أخرى لما حققته من فوائد وطنية وقومية.

وعلى مستوى العمل العربي المشترك كان للفقيد دوره في تفعيل عمل مجلس السفراء العرب، يحضر اجتماعاته ويشارك في مناقشاته ويمول نشاطاته. مبادراته كانت دوما بناءة.. فهو أول من اقترح قيام غرفة التجارة البريطانية العربية، بتخصيص جزء من عائداتها لصالح العمل العربي المشترك، ومن ميزانيتها أنشأ صندوقا لرعاية الطلبة العرب المحتاجين والمتفوقين في بريطانيا، فاستفاد منه المئات، ولعب دورا مهما في اقامة العديد من المنظمات العربية في لندن وتمويلها، بهدف تعزيز التواصل بين أبناء الجاليات العربية، مثل النادي العربي الذي تم افتتاحه رسميا بحضور وزير خارجية بريطانيا، آنذاك، اللورد كارينغتون عام 1981 ـ ورابطة المرأة العربية، ومول كذلك زيارات النواب والصحافيين البريطانيين.

كما كان له دور أساسي في تمويل جمعيات صداقة عربية ـ بريطانية كانت على وشك الافلاس، مثل مركز تعزيز التفاهم العربي ـ البريطاني (كابو) ومجلة «ميدل ايست انترناشيونال».. ومن خلاله كان يتم تمويل مجالس الأحزاب البريطانية الثلاثة وغيرها من المؤسسات والمنظمات التي كانت تلعب دورا مهما في تعزيز العلاقات العربية ـ البريطانية وتدافع عن القضايا العربية.

وعلى المستوى الاسلامي، كان الفقيد يرعى عمل مجلس سفراء الدول الاسلامية، وله دور اساسي في انشاء اكاديمية الملك فهد، التي تتسع لآلاف الطلبة من ابناء الجالية العربية والإسلامية، تحافظ على لغتهم وهويتهم وقيمهم العربية والإسلامية، وكان يشرف بنفسه على اختيار المدرسين، باعتباره من المربين الأوائل في مجال العلم والتعليم.

لعب دورا كبيرا في تفعيل دور اكبر مسجد اسلامي في اوروبا وهو مسجد «ريجنت بارك» في وسط لندن الذي يتسع لخمسة آلاف مصل، ويضم ايضا المركز الاسلامي وكان يشرف على ادارته ويؤمن من خلال المملكة رواتب العاملين فيه ويوفر مستلزمات صيانته، وكان ينهي أي صراع او خلاف داخل الجالية الاسلامية من خلال ادارة في السفارة ترعى امور المسلمين.. حقا لقد كان رجلا توافق على احترامه ومحبته الجميع.

وعلى المستوى الانساني كان له العديد من المواقف التي تستحق الذكر ولها دلالة واضحة على وفائه، منها موقفه تجاه سفيرين عربيين انهارت دولة احدهما فأصبح بلا موارد، فقام بتخصيص مساعدة شهرية له، اما الثاني فأمن له اللجوء السياسي في السعودية هربا من نظام بلاده.

وأثناء حرب الخليج الثانية تحملت سفارته نفقات مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، التي انقطعت الموارد عنها بناء على تعليمات من المغفور له الملك فهد.

كون شبكة علاقات قوية واسعة على الساحة البريطانية، تمتد لتشمل نوابا وأكاديميين وصحافيين بارزين بريطانيين مرورا بالنخبة العربية المقيمة في بريطانيا.

ناصر المنقور شخصية عربية خالدة، جاءت من المملكة العربية السعودية، بلد الخير والوفاء بلد الاسلام والمسلمين وقبلتهم ارض الرسول صلى الله عليه وسلم ـ بلد الحرمين الشريفين.

* سفير جامعة الدول العربية الأسبق في لندن