الدرس التركي

TT

لا أدري اذا كان على العالم الاسلامي أن يفرح أو يحزن لفوز أردوغان وحزبه في الانتخابات الأخيرة في تركيا, فواقع الأمر يدل ويوضح أن الحالة التركية هي حالة «استثنائية» بحتة، لأن الصورة الأعم في العالم الاسلامي هي عن أنظمة مستبدة موغلة في الفساد والجهل والتطرف، حتى الحركات والأحزاب الحاملة للشعار الاسلامي في العالم العربي تحديدا هي جميعها حركات سياسية في المقام الأول، وذات بيان وخطاب مفرق ومتطرف ويبتعد تماما عن الخطاب الوسطي والمعتدل لاردوغان وحزبه، وبالتالي يصعب على المتلقي والمتابع الموضوعي أن يقتنع أن كل هذه المجموعات تنتمي الى نفس النهج، فشتان بين الذي يجمع بين وطنه ودينه على منهج اخلاقي، وبين من يفرق ويقتل ويهدم.

ولذلك يبدو مثيرا للاشمئزاز متابعة عدد غير قليل من أباطرة ودعاة التطرف وهم يهنئون بعضهم ويزفون البشرى على «الانتصار» التركي ويجيرونه لأنفسهم، متناسين أنهم واقعيا وفعليا لا يتفقون مع الاغلبية العظمى لطروحات هذا الحزب التركي ومئات الفتاوى التي اصدروها بحق مسائل فقهية شبيهة بذلك ورفضهم لها تؤيد ذلك تماما. والآن وبكل فجاجة يركبون الموجة لاستغلال الحدث بطريقة رخيصة.

الحركات والدول الاسلامية عليها أن تدرك أن ما حدث في تركيا أوجد أرضية للقياس وامتحان الجدارة، فالعالم الاسلامي لن يقاس بسقف أدنى من السقف التركي، وعليه سيعتبر كل شيء تحت هذا السقف شاذا ومرفوضا.

الانتصار التركي الأخير مطلوب قراءته بطريقة جيدة ومغايرة، بدلا من الفرحة فقط بما حدث، الى المسؤولية الملقاة لما هو آت. أردوغان وحزبه أهتما بالتنمية المستدامة، والقضاء على الفساد، والتعليم وتحسين المناخ الاستثماري، وعلاقات سوية ومحترمة مع الجيران، وسيادة مصونة للأراضي وحقوق تصان للمواطن، وقضاء منصف وخدمات تطور. إنها صيغة بسيطة ولكنها غير مطبقة بالقدر الكافي لمفهوم العيش بكرامة كما منحها الحق الإلهي.

ويبقى تحد أخير أمام اردوغان وحزبه، وهو المتعلق بترشيح اسم لمنصب رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية ( بحسب ما يتم الاتفاق عليه) ويبدو أن الاقدام على ترشيح عبد الله غل سيواجه بهجوم شرس من المعارضين، ولكن هناك اقتراحا أتمنى أن يؤخذ بعين الاعتبار، وهو ترشيح اسم «فارس» تركي عظيم وهو السيد إحسان أوغلو، المسؤول التنفيذي عن منظمة المؤتمر الاسلامي، وهو الرجل الواجهة المشرقة للمسلمين ونقله على رأس السلطة في تركيا، اذ يبدو أن بيروقراطية هذه المنظمة اصابته بالإحباط الشديد وسط الصراعات البينية للدول الاسلامية، ومن الممكن الاستفادة منه بشكل أفضل في تركيا. الدرس التركي فيه عبر وحكم كثيرة مطلوب التمعن فيها بجدية.

[email protected]