حاشا

TT

عندما بدأت العمل في صحافة الخليج. كانت تحكم العمل الصحفي القواعد والأخلاقيات والأدبيات التي تحكم المجتمع الخليجي. وكما كان من النادر، واحيانا من المستحيل، الخروج على أي قواعد اخلاقية في المجتمعات والبيوت، كان من المستحيل ان تلحظ خروجا على الضوابط الاخلاقية في الصحافة. فقد كانت اللهجات تقسو احيانا اما الخطاب فكان ممنوعا ان يتدهور او ان ينحط.

تغيرت اشياء كثيرة في المجتمع الخليجي عندما تغيرت الصحافة. وتحت باب الهزال والسخرية دخل العنف اللفظي. وفي باب الدفاع عن الحكومات احلت الصحافة لنفسها الشتم والتحريض. وبدل ان تقوِّّم الصحافة الاخطاء التي ترتكبها الادارات، خصوصا حيال الغرباء، يتولى بعضها الدفاع عن تلك الاخطاء والحملة على المساكين والضعفاء الذين لا نصير لهم، لا في بلادهم ولا في غربتهم. ويعجب المرء عندما يرى ان بعض المنتسبين الى الصحافة يكرسون معظم اعمالهم وحياتهم لرفض حقوق العمال والخدم وذوي المداخيل الشديدة التردي. ويشكل هذا النوع من الاختصاص نقطة سوداء في حياة مجتمعات يعيش منها ملايين الآسيويين وعائلاتهم. وفيما تفتح الدول ابوابها وخيراتها لذوي الحاجات الضعفاء، يمارس بعض المنتسبين الى الصحافة عنصرية تخضع في أي بلدان اخرى للمحاكمة والعقوبات القانونية. وإذ يعتقد هؤلاء انهم يدافعون عن حكوماتهم تجاه منظمات دولية معينة، فهم بالعكس يقدمون الشواهد والأدلة الفردية التي تلطخ مجتمعا بأكمله بغير وجه حق.

وما بدا كلاما ورسوما كاريكاتورية في الصحف انتقل مع الاسف الى بعض طبقات المجتمع وذوي النفوس الضعيفة الذين يخيل اليهم ان الوقاحة هي الفوز والسوقية هي الانتصار. والخطير ان الجيل الجديد في مجتمعات الخليج قد يعتقد ان هذه هي الحياة وهذا هو السلوك وان لا خفة ظل الا في الشتم والافتراء. لقد صورت بعض الصحف الشجاعة على انها خرق المحظورات الادبية. وتولى بعضها ولا يزال الدفاع عن سلوك يسيء الى اخلاقيات البلدان وعاداتها.

ان الواقع في الخليج يشكل ظاهرة على مستوى الانسانية عبر التاريخ. ملايين العائلات، عبر العالم، تتجنب العوز وغالبا المجاعة، بسبب مجالات العمل المفتوحة، وبسبب النفوس الطيبة، وبسبب الاستعداد للمشاركة في الثروة المتعاظمة. ومثل هذه الحالة الانسانية لا يجوز ان يلوثها عامود اسود هنا او كلمة فاقعة هناك. واذا كانت بعض الادارات تريد ان تنفي عن نفسها تهمة العنصرية والعسف وان تحفظ سمعة بلدانها، فيجب ان تتوسل الى بعض المنتسبين الى الصحافة، وقف الدفاع عنها. فمثل ذلك يصور الخطأ الفردي وكأنه سلوك جماعي.

حاشا.