أميركا والعراق: متاهة الانسحاب

TT

تخيلوا ما كان يدور في ذهن حسن كاظمي قمي سفير إيران في العراق وهو جالس، عبر طاولة المفاوضات، أمام نظيره الأميركي رايان كروكر، في الأسبوع الماضي. ترى هل تساءل قمي عما يجعله يأخذ كلام السفير كروكر مأخذ الجد أثناء تحذير الأخير الشديد لإيران من التدخل في شؤون العراق، خاصة وان الكونغرس سيسحب القوات الأميركية من العراق قريبا.

لو كانت أميركا محكومة بنظام برلماني لفقدت إدارة بوش الثقة في التصويت داخل البرلمان بعد انتخابات نوفمبر البرلمانية، ولتسلم الديمقراطيون مسؤولية الإشراف على سحب القوات الأميركية من العراق دون تقديم خسائر أخرى، وأصبحت الحرب في العراق تخص العراقيين ولا تخص بوش.

لكننا خضنا الحرب في العراق بواسطة النظام الديمقراطي الذي في حوزتنا ومع كل ما فيه من نفاد للصبر. وهذا درس أشار إليه جنرال الجو المتقاعد تشاك بويد حينما تحدث أمام عدد من الجنرالات في الأسبوع الماضي، حين بادر إلى تذكيرهم بأن أميركا لم تكسب حربا استمرت لأكثر من أربع سنوات باستثناء «الحرب الثورية» التي كنا فيها المتمردين وكانت بريطانيا الطرف الذي تعب من الحرب الجارية على أرض بعيدة جدا عنها.

على المخططين العسكريين في المستقبل أن يضعوا خططهم على ضوء أن التفويض السياسي الممنوح لأي رئيس هو لمدة عامين فقط، وهذا ما يجعلنا غير مناسبين لأي حرب طويلة الأمد ضد تمرد ما. ولذلك يرى بترايوس أن أميركا بحاجة إلى 9 أعوام لتحقيق الانتصار في حرب من هذا النوع. وإذا كان هذا المعيار صحيحا فإن على بترايوس أن يعرف أن حظوظ بترايوس في الحصول على تخويل لخوض الحرب لهذه الفترة من الجمهور الأميركي الغاضب ضئيلة جدا. لذلك فالسؤال المحوري هو: كيف يمكن الانسحاب بطريقة تقلل أقصى ما يمكن الضرر الذي سيصيب أميركا وحلفاءها والعراق؟

ربما تكمن البداية الحسنة في مواصلة الحوار والقتال مع البدء بتقليل حجم القوات الأميركية. ولكن بعض أعضاء الكونغرس يجادلون بأن البدء بالانسحاب العسكري من العراق سيجبر العراقيين أن يضعوا اجنداتهم الطائفية جانبا، لكن العكس هو الذي من المرجح أن يكون صحيحا.

حاول مرة وضع نفسك مكان زعيم الحرب الشيعي مقتدى الصدر الذي ظل ممثلا أميركا في بغداد، كروكر وبترايوس يناشدانه نزع سلاح ميليشيات جيش المهدي ونزع فتيل الحرب الطائفية في العراق. إلا أن الصدر على اطلاع على ما يخرج من واشنطن، بل وعلى علم بالضجة اليومية حول المطالبة بإعادة الجنود الاميركيين إلى بلادهم، كما انه يدرك ان من الأفضل، أن يراكم مخزونا من الأسلحة لا أن يسرح ميليشياته.

حتى التطور الايجابي المتمثل في إبداء قادة المسلمين السنّة في محافظة الأنبار التحالف مع أميركا ضد «القاعدة» يعتبر من زاوية ما تمرينات تمهيدية للحرب الأهلية المقبلة، إذا ما اعتبرنا أن القادة السنّة وهم يعملون مع الاميركيين، ليتمكنوا هم أيضا من تكوين مخزون من السلاح للنزاع المقبل. إننا في واقع الأمر نسلح الطرفين في هذه المعركة الطائفية. وهذه ليست المرة الأولى، تذكروا الدعم العسكري لكل من العراق وإيران خلال الحرب بينهما.

السعي الأميركي للسلم في العراق سيكون أمرا صعبا في أفضل الظروف، ومستحيلا إذا حدث التفاوض على خلفية مطالب مستمرة من جانب الكونغرس بانسحاب اميركي سريع من العراق. في هذا الوضع فإن أي تحذير من جانب كروكر سينظر إليه من ناحية قمي والصدر على نحو آخر، وهذا ربما يؤدي إلى تحول الوضع من سيئ الى أسوأ. ولنتساءل: لماذا ينبغي عليهم أن يستمعوا إلينا اليوم إذا كنا سنغادر غداً؟

أكثر التعليقات معقوليةً واتزاناً سمعته الأسبوع الماضي من مرشح الرئاسة الديمقراطي وأبرز المعادين للحرب، السيناتور باراك أوباما، الذي قال إن أميركا يجب أن تتوخى الحذر وتفكر ملياً في خيار الخروج من العراق. إنه على حق، والرئيس بوش على حق أيضا في هذا الجانب عندما قال نفس الشيء. أميركا في طريقها إلى الخروج من العراق في نهاية الأمر، إلا أن الأمر المهم يتمثل في كيفية فك الارتباط، خصوصاً مع الديمقراطيين، الذين سيرثون في هذه النقطة على ما يبدو مسؤولية أمن أميركا على مدى 18 شهراً من الآن.

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»