كنت تسألنا يا عم ساركوزي!

TT

الرئيس الفرنسي «الجديد جدا» نيكولا ساركوزي يبدو أنه متحمس جدا لمنصبه، ويرغب في تحقيق ما يسمى بالانتصارات الســريعة التـي تبــقي بريــقه ساطعا في عيون ناخبيه ودراسات استقصاء الرأي، وذلك طبعا بحسب خبراء العلاقات العامة الملاصقين له. وعلى هذا الأساس «قفز» ساركوزي على فرصة الدور البطولي لإنجاز إطلاق سراح الطاقم الطبي البلغاري من ليبيا في صفقة غير مفهومة للآن، وهو الذي ألقى فيها بثقل أدبي كبير بإرساله لزوجته، وإتباعها بزيارة شخصية، وفي سبيل إنجاز هذه الصفقة، قام ساركوزي بتقديم العديد من الجزرات لإغراء ليبيا منها «جزر» اقتصادي وآخر سياسي، ولكن كله يصب في تقديم ليبيا كبلد أنموذج بالشرق الأوسط.

ولكن ما فات ساركوزي هو أن «العطارة» السياسية لا تصلح ما أفسده الدهر «الأخضر»، وما كان عليه سوى أن يسأل من اكتوى بالنيران الوحدوية، وجمر الهوى العروبي الإجباري ولهيب الجماهيرية. كان عليه أن يسأل المصريين الذين رحلوا بدون مستحقات، والفلسطينيين الذين باتوا على الحدود في خيام شبيهة بنكسة 1948، واللبنانيين الذين اختفى زعيمهم موسى الصدر في مأساة إغريقية حديثة تحت أنظار الليبيين بدون أثر، والليبيين أنفسهم الذين طلبوا أن يحجوا في سنة من السنوات للقدس بدلا من مكة، وأن يسلموا سياراتهم ومنازلهم لمن يحتاجها في تطبيقات لنظريات الكتاب الأخضر. ناهيك من «اختفاء» رئيس الوزراء الليبي الأسبق البكوش في ظروف مريبة، والسعوديون ممكن أن يسردوا ذهولهم حينما علموا بمؤامرة محاولة اغتيال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، إبان كان وليا للعهد من قبل عصابة مأجورة من الحكومة الليبية، مع عدم إغفال شهادات أهل تشاد الذين عانوا مر المعاناة من قبل بسبب حروب شعواء شنتها ليبيا عليهم.

القصة والصفقة البلغارية كلها مريبة ومليئة بالأسئلة وعلامات الاستفهام التي تنتظر الإجابة، ويبقى التنظير عن الأسباب والغموض سيد الموقف. فيدل ماركوس، الرئيس الفلبيني الأسبق، حاول في آخر أيام حكمه أن يظهر للعالم بمظهر إصلاحي، ولكن كان غير مقنع، وبالتالي كان ما يدعو إليه لا يمكن هضمه، واليوم محاولة تسويق ليبيا بوضعها الحالي كنموذج يجب الاقتداء به عربيا هو أمر مضحك للغاية، وهو أشبه بمن يحاول فعلا تحويل الفسيخ الى شربات كما يقول المثل المصري الشعبي المعروف، وهذا من الممكن تفهمه إذا كان ساركوزي يرغب في الحصول على جائزة نوبل للكيمياء وليس للسلام‍!‍

الحراك الليبي الأخير هو تقلب جديد يضاف لسلسلة من التغيرات والانقلابات في المواقف التقليدية للحكم فيها. أتمنى أن يكون لساركوزي سعة صدر هائلة لأنه، إذا كان أوروبيا وبالتالي يحب «الوحدة والاتحاد» سيكرههما بعد علاقته الجديدة مع ليبيا، لأن ليبيا «ستهريه» وحدة واتحادا، مرة فكرة وحدة بين أوروبا وزحل، ومرة مع جزر مارشال... وهكذا. وتسويق ليبيا على أنها البلد المثالي في العالم أشبه بترويج بضاعة فاسدة لزبون غير موجود.

[email protected]