مصر.. الاهتمام بتاريخها وآثارها ضرورة!

TT

كانت ممتلئة القوام.. مريضة بمرض السكر.. مفتقدة لجمال نفرتيتي أو نفرتاري أو كليوباترا.. إلا أنها تمكنت من حكم مصر بقوة وصرامة الرجال.. وبعقل ودهاء الأذكياء.

الاسم الملكي: (ماعت ـ كا ـ رع) ويعني: العدل هو روح رع 

الاسم الأصلي: حتشبسوت ويعني باللغة الفرعونية: أميز النساء، بفضل أمون.. كانت الملكة حتشبسوت أشهر امرأة حكمت مصر القديمة، وأعظم من حكم من الإناث؛ بطول تاريخ مصر الحضاري الممتد لأكثر من سبعة آلاف سنة. وقد حكمت البلاد عقب الوفاة المبكرة لزوجها تحتمس الثاني، وهو من ملوك الأسرة الثامنة عشرة، واستمر حكمها عشرين عاما (1503 ـ 1483 قبل الميلاد)، وفي البداية أشركت في الحكم تحتمس الثالث، ابن زوجها وزوج ابنتها، ثم أقصته تماما وانفردت بالحكم ثلاث عشرة سنة.

تعتبر الملكة حتشبسوت الملكة المصرية الوحيدة التي حكمت مصر في ظروف سياسية واقتصادية مستقرة‏، بل حكمت مصر خلال العصر الذهبي‏،‏ وهو عصر الامبراطورية المصرية التي تكونت في الأسرة الـ‏18 من الدولة الحديثة‏.‏

وكان عهد الملكة حتشبسوت عهدا حافلا زاهرا، عم فيه السلام والرخاء في أرجاء البلاد، وشيدت فيه أروع المعابد وأجمل المنشآت، وازدهرت فيه التجارة بين مصر وغيرها من البلاد، بإرسال البعثات للخارج للتبادل التجاري والثقافي، ومن أشهر بعثاتها كانت لبلاد بونت المشهورة، عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.

ولم تتوقف أعمالها عند هذا بل أعادت حفر واستخدام قناة تربط بين النيل والبحر الأحمر، والتي سبق وحفرها المصريون أيام الدولة الوسطى وذلك لتسيير أسطول مصر البحري بها ليخرج إلى خليج السويس، كما أعادت العمل في مناجم النحاس في شبه جزيرة سيناء، وجعلت من يوم توليها عرش مصر عيدا للحب.

وبعد أن ماتت تحرر «تحتمس الثالث» من وصايتها الثقيلة، وأحب أن ينتقم منها فأتم بناء معبدها ونسبه إلى نفسه، وقام بتهشيم اسمها ومعظم صورها المحفورة وتماثيلها، ووضع مكانها اسمه وألقابه في كثير من الجهات.

الاهتمام المصري الكبير بالعثور على مومياء حتشبسوت، والتأكد منها علميا بعد ستين سنة أو أكثر من الإهمال غير المتعمد، لم يقبله البعض، ممن قالوا: على مصر أن تهتم بحاضرها وتنسى ماضيها، حتى ولو كان بأهمية وعظمة ما قدمته هذه الملكة لمصر.

بكل تأكيد لا أتفق وهذا الرأي لسببين، الأول أن الاهتمام بتاريخ الشعوب، وخاصة صاحبة الحضارات أمر على جانب كبير من الأهمية، إذ يعد المرجع التاريخي لأجيال المستقبل، وفي هذا تقول الأمثال الشعبية المصرية الشديدة الدقة في معانيها «اللي مالوش أصل، بشتري له أصل»، «ومن نسى قديمه تاه».

أما السبب الثاني فراجع للهجمة الصهيونية على تاريخ مصر والتي تقوم إسرائيل بتنفيذها، إذ تحاول تجريد مصر من تاريخها: فكانت البدايات مضحكة، إذ قال مناحم بيجن مبتسما لمرافقيه ولرجال الإعلام وهو واقف أمام أهرامات الجيزة.. انظروا لقد بناها أجدادنا.. يعني الأهرامات، وتصور أنه بكلمته تلك قادر على أن يغير التاريخ، ونسى أن علماء الآثار الأجانب قالوا إن القبائل اليهودية لم تتجمع وتظهر على الأرض في المنطقة العراقية الكردية إلا بعد 2000 سنة تقريبا من تاريخ بناء الأهرامات.

الأمر لم يتوقف بعد ذلك عند ادعاء بيجن، إنما بدأ يأخذ أبعادا جديدة، تهدف بالدرجة الأولى للتقليل من قيمة حضارة مصر وتاريخها ونسبته لغير أصحابه ومحوه إذا كان ممكنا.

في عام 2001 ظهرت فجأة مؤسسة ربحية باسم «New 7Wonders»، وقد أسس هذه المؤسسة المغامر السينمائي السويسري «بيرنارد ويبير»، والتي تمول عن طريق التبرعات الخاصة ، مستهدفة تحقيق هدف غريب هو دعوة العالم لإعادة اختيار عجائب سبع للدنيا بدلا من العجائب الحقيقية القديمة.

وكانت المؤسسة قد أجرت استفتاء استمر خمس سنوات طالبت فيه بمعرفة الآراء لاختيار عجائب سبع جديدة من بين قائمة طرحتها تضم 21 موقعا أثريا، وهذه المواقع جاء اختيارها من بين 77 موقعا رشحها أكثر من 19 مليون شخص من أنحاء العالم شاركوا في التصويت عبر الإنترنت، وقد جمعت المؤسسة أموالا طائلة عن طريق عمولات المكالمات التليفونية والإنترنت. كما كانت شديدة الحرص بألا تضع منارة الإسكندرية وأهرامات الجيزة من بين العجائب المرشحة، مع التشكيك في تاريخها ومن قام ببنائها، وأجري الاستفتاء واختيرت سبعة أماكن جديدة، وبخجل قالوا إن أهرامات الجيزة خارج المنافسة.

من المعروف أن لجنة التراث العالمي الحالية التابعة لليونسكو تتكون من 21 عضوا، وتجتمع مرة كل سنة للنظر في المشروعات القديمة، وقد وضعت معايير وشروطا لوضع أي تراث في قائمة التراث العالمي.. وعلى ذلك فإن أي لجنة غير تابعة لليونسكو وغير منبثقة عن مركز التراث العالمي ليست ذات صفة، وخارجة على الشرعية الدولية طبقا للنظام الداخلي للجنة التراث العالمي.

اليهود ليس لهم تاريخ حضاري، وبالتالي ليست لهم مواقع حضارية قديمة يمكن إدراجها ضمن القائمة العالمية للأعمال التراثية، لذلك يحاولون شراء تاريخ.

من هنا كان لا بد من الاهتمام بتاريخ مصر وآثارها، فإذا كانت الحرب العسكرية توقفت بين مصر وإسرائيل فإنها مستمرة بصور مختلفة في شتى مجالات الحياة، فإسرائيل تنظر إلى مصر على أنها العدو رقم واحد، حيث يختم اليهود صلاتهم الصباحية كل يوم بالدعاء على فناء مصر وأهلها..!؟

* كاتب مصري

[email protected]