بين الرياضة والسياسة: صيف الشكوك والتشكيك

TT

عندما تعالت صيحات الاستهجان ضد النجم الفرنسي البارز في سباق الدراجات مايكل راسموزين في نهاية سباق «تور دي فرانس» الأسبوع الماضي انقلب عالم الرياضة رأسا على عقب.

لم يستأ الجمهور لأن أداء راسموزين كان سيئا، فقد كان في الواقع صاحب أداء متميز وأوشك على تحقيق الفوز في ذلك السباق. استياء الجمهور وصيحات الاستهجان كانت بسبب أن أداء راسموزين (وآخرين في مقدمة السباق) كان مثل سوبرمان.

توصل الجمهور الى نتيجة مفادها أن ذلك الأداء المتميز لا يمكن أن يحدث لولا الاستعانة بعقاقير منشطة. لم يكن الجمهور في حاجة الى انتظار الفحص الطبي على هؤلاء الرياضيين، الذين كانوا سببا في حدوث تغيرات على ثقة الجمهور في الرياضة في كل الولايات المتحدة وأوروبا.

الحكم الغريزي للجمهور على راسموزين وفريقه، وهو ما أثبتته الفحوصات بعد بضع ساعات يوم الأربعاء عندما استبعد فريق راسموزين من السباق، أشبه بردود الفعل التشكيكية التي جاءت من كثير من جمهور البيسبول الأميركي عندما اقترب باري بوندز من تحقيق رقم هانك آرون صيف هذا العام. حتى منافسات الغولف أصبحت مثار جدل وخلاف هذا الشهر عندما تردد أن بعض أبطال الغولف يستخدمون حاليا مواد ممنوعة بهدف تحقيق تقدم في الأداء والنقاط.

أنواع الأسترويد ليست وحدها التي تتسبب في موجة عدم الثقة صيف هذا العام في قطاع الرياضة، الذي يعتمد على احترام الجمهور لأبطال الرياضة وإنجازاتهم. إذ ان مزاعم التلاعب في النتائج بواسطة حكم تابع للرابطة الوطنية لكرة السلة بالولايات المتحدة وإلقاء القبض على نجوم في دوري كرة السلة الأميركية نسف الثقة أيضا.

الرياضة ليست المجال الوحيد الذي شهد اهتزاز الثقة في رموزه ونجومه. ففي عالم الصحافة أيضا ليس من الغريب ترفيع وتلميع المشاهير والرموز والساسة ـ ثم إطاحتهم. إلا أن الدماء هنا تحدث بصورة أكثر سرعة وعنفا.

ويمكن القول إن الدفاع عادة ما يتبع المخالفة: التكنولوجيا الطبية الحديثة جعلت من الغش في الرياضة أمرا أكثر سهولة وإغراء، حتى قبل ظهور أي تكنولوجيا أخرى تكشف النقاب عن هذا الغش. إذ أن أي رياضي (بالقليل من المساعدة المختبرية) يمكن أن يشكّل صيدليته الخاصة، تماما مثلما من الممكن أن يصبح أي شخص ناشر صحيفة على شبكة الانترنت.

في العراق يمكن ان يشكل أي شخص جيش حرب عصابات خاصا به من خلال تجهيز عبوات ناسفة، وهذه كثيرا ما تعدها عصابات صغيرة تبيعها لمن يريدون تأجيج نار العنف والفوضى. كما أن عبقرية محمد عطا المنحرفة دفعته الى استخدام طائرات نقل ركاب أميركية ممتلئة بالوقود كقوات جوية تابعة لتنظيم «القاعدة».

التكنولوجيا العسكرية الحديثة المدمرة وتوفرها الواسع والانترنت وتزايد حركة انسياب الأموال والبضائع والأفكار والناس عبر حدود الدول، أحدثت مجمتعة تغييرات يجد المدافعون عن النظام السائد صعوبة في استيعابها ومواجهتها. يضاف الى ما سبق أن بعضا من أصحاب المدونات ذوي الروح الانتقامية، ومعهم آخرون، يعملون على دفع لإعلام الرئيسي والساسة، أو بعض بقايا الوضع الراهن، خارج الساحة التي يريدون احتلالها والسيطرة عليها. وفي النهاية يبرز السؤال: ماذا لدى هؤلاء كي يخسرونه في هذه الساحة التي تفتقر الى فرض القانون والنظام؟

الدول التي تعاني من الاستقطاب العميق وتخصص قدرا كبيرا من زمنها وطاقتها في تعقب ومحاكمة المجرم الحقيقي وكبش الفداء على حد سواء، تدفع ثمنا جماعيا باهظا. هذه الدول تنحدر بسهولة الى اليأس والاستياء اللذين يقودان بدورهما في نهاية الأمر الى دمار أوسع. سيفعل الأميركيون خيرا إذا فكروا في هذا الأمر مليا خلال صيف يتسم بالتشكيك والانقسام.

*خدمة «مجموعة كتـّاب واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»