خاتمي بين رغبة الشعب وسلطة المحافظين

TT

في الوقت الذي كان فيه محمد خاتمي يدير حملته الانتخابية عبر ايران قبل انتخابه يوم الجمعة الماضي، مؤكدا ان حكومته لن تقدم تنازلات بخصوص تعهده بتطبيق الديمقراطية، تعرض واحد من اقرب مساعديه لهجوم في سيارته من قبل متشدد ايراني، وتم اعدام رجل متهم بالتجسس لحساب الولايات المتحدة ورُجمت امرأة بالحجارة لمشاركتها في فيلم مثير للغرائز.

وحصل خاتمي على نصر ساحق ـ 77.8% من اصوات الناخبين ـ على امل ان الفترة الثانية لرئاسته يمكن ان تقضي على مثل هذه الانتهاكات للعدالة وحقوق الانسان التي استمرت بلا توقف تقريبا منذ توليه السلطة في عام 1997. وكان تصميمهم على وقف عقود طويلة من القمع واضحا في الاقبال المرتفع نسبيا في الانتخابات.

ولكن مثل هذه التغيرات الاساسية ليست في يد خاتمي، على الرغم من التفويض الذي حصل عليه. فمن المرجح ان تستمر «الحكومة» الاخرى المشكلة من المتشددين وعلماء الدين المحافظين وانصارهم، والمتطرفين الاسلاميين، في ادارة أوضاع ايران بينما تبقى الدولة التي من المفروض ان يقودها خاتمي على الهامش.

وفي الواقع فإن وجود خاتمي، ربما يساعد المؤسسة الدينية على مراجعة التحديات لشرعيتها الدينية والايديولوجية. لقد تمكن المحافظون ـ بعضهم من منافسي خاتمي ــ خلال سيطرتهم على مقاليد السلطة، من تشويه مبادئ المذهب الشيعي الى درجة ان الفقهاء الذين يعارضون تدخل علماء الدين في السياسة اتخذوا خطوة شجاعة وقاموا بانتقادهم علنا.

ان الشباب الايراني، الذي يؤيد نظاما اسلاميا من حيث المبدأ، يزداد تشاؤما من قدرة النظام الحالي على المزج بين المثل الاسلامية مع الاحتياجات العصرية. كما ان معظم هؤلاء الذين يمكن ان يصلحوا الاوضاع في ايران من خارج النظام ـ الصحافيون والنشطاء السياسيون وعلماء الدين التقدميون ـ هم الان في السجون.

ان اعظم انجازات الفترة الاولى لرئاسة خاتمي هو تمكنه من السيطرة على المتطرفين داخل مجتمع يزداد ركودا. فقد شكا علنا عندما حرك المتشددون انصارهم للهجوم على تهديدات النظام. وتمكن من اقناع الجناح الراديكالي داخل الحركة الاصلاحية من الخروج للشارع احتجاجا على القهر المتزايد.

والامر الذي لا يلاحظ في الغرب هو مدى افتقاد انصار الاصلاح لقناعتهم برئيس ساعدوه في الوصول الى قمة السلطة. ان اهم تحديات خاتمي هي استعادة مصدقيته، خلال فترة رئاسته الثانية. ان حصوله على تفويض قوي، يعني ان انصاره قد مارسوا ضغوطا قوية على خاتمي لتقديم ما تعهد به. ويزداد موقف خاتمي صعوبة مع اصرار المؤسسة الدينية على عدم التخلي عن السلطة.

وحتى لو قرر خاتمي في فترته الجديدة الدفاع عن المسجونين والمفروض عليهم الرقابة، فإنه يفتقد للسلطة اللازمة طبقا للدستور لتحويل الاحتجاج الرئاسي الى برنامج سياسي.

وتجدر الاشارة الى انه عندما اسس الخميني الجمهورية الاسلامية، تركزت السلطة في منصب المرشد الاعلى، ويشغل هذا المنصب اليوم آية الله علي خامئني، الذي يملك سلطات سياسية مباشرة اكثر من تلك التي كانت في يد الخميني.

وقد كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن «حركة وسطية» او «قوة ثالثة» تتبلور لتضييق هوة الخلاف بين المتشددين وهؤلاء الذين يدافعون عن نظام تعددي. هذه الفكرة التي ظهرت للمرة الاولى قبل ثلاث سنوات، عادت للاضواء مرة اخرى على يد المحافظين المعتدلين الذين يستخدمون الفورة المحيطة بالانتخابات لبث الامل في الغرب من امكانية تطبيق الاصلاحات في ايران.

مثل هذا التفاؤل قد يؤدي الى استثمارات اجنبية في ايران. وسيستفيد بعض المحافظين، بمن فيهم التجار ورجال الاعمال الذين يحيطون بالرئيس الايراني السابق هاشمي رفسنجاني، لو أن شركة كونوكو بدأت في استخراج النفط من حقول النفط الايرانية القديمة وعادت شركة كوكاكولا للظهور في الاسواق مرة.

ان رحلة ايران عبر الديمقراطية والتسامح الديني بدأت قبل قرن من الزمان مع الثورة الدستورية، التي حلت مؤقتا، محل السلطة الملكية المطلقة مع محاولة مبتورة لنظام جمهوري.

وتم، على فترات مقتطعة، فتح نوافذ الحرية ثم اغلاقها. واعتمدت انجازات الحرية على المدى الطويل على رغبة الشعب الايراني ورغبة المحافظين على تقديم تنازلات، وليس على مقدرة خاتمي الخطابية.

* مراسلة صحيفة «الغارديان» البريطانية السابقة في طهران ومؤلفة كتاب «لا اله الا الله: مصر وانصار الاسلام» ـ خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»