شارون.. آخر مدفع تملكه إسرائيل..

TT

جورج بوش رئيس الولايات المتحدة التي نصبت نفسها حاكما فرداً منفرداً للعالم أجمع، بعد ان اغتالت الاتحاد السوفياتي ومشت في جنازته واضافت الى قيد نفوسها صفة الأب غير الشرعي لدول تعتبرها أبناء بالتبني أو بالزنا لا فرق، جورج بوش هذا يدعو الاسرائيليين والفلسطينيين الى وقف العنف وضعوا خطا تحت (يدعو)، فهو لا يطلب ولا يأمر وهو يعرف انه يستطيع ان يطلب ان اراد ومتى أراد وان يأمر اذا شاء ومتى شاء ولكنه يدعو ويدعو فقط وكأنه مجرد متفرج أو شاهد ماشفش حاجة، وأما أمين عام الامم المتحدة فهو يدين رد الفعل المبالغ فيه من اسرائيل تجاه الفلسطينيين وضعوا خطين تحت يُدين. أما ردود الفعل الأخرى فهي تتراوح بين الاستنكار والقلق لما يحدث وبين الصمت الميّت وكأنهم صم بكم عمي فهم لا ينطقون ولا يسمعون ولا يرون.

أي عنف هذا الذي يقصدونه هل هو العنف الفلسطيني؟ هل هو استخدام الشعب الفلسطيني لأسلحة الدمار والمدرعات والمصفحات والصواريخ والقنابل وطائرات الـ اف 16 المقاتلة القاذفة؟

لو انقلبت الآية وفعلت فلسطين ذلك ماذا كان يمكن ان يفعل جورج بوش أو ان يقول كوفي عنان؟

هل كانوا سيطلبون التهدئة وضبط النفس؟ انهم يستخدمون عبارات لم يعد لها مكان في قاموس الشعب الذي يغتالون قادته ويقتلون ابناءه ويذبحون اطفاله ويهدمون بيوته ويحيلون أرضه يباسا ومدنه خرابا ويقطعون عنه الماء والكهرباء وحتى رغيف الخبز. ولأنه لم يعد لهذه العبارات مكان أو معنى في قاموس هذا الشعب فلا بد ان يفزع واحد مثل محمود أحمد مرمش ويطوق خاصرته بحزام متفجر وليذهب الى الجحيم كل هؤلاء الذين لم يعودوا يفرقون بين الانسان وبين الحجر، ولأنه لم يعد لهذه العبارات مكان أو معنى في قاموس هذا الشعب فسيخرج اليوم وغدا وبعد غد ألف محمود أحمد مرمش يزنّرُ خاصرته بحزام متفجر وليذهب الى الجحيم أيضا كل هؤلاء الذين لم يعودوا يفرقون بين الانسان وبين الحجر لا اليوم ولا غدا.

في هذا الذي يجري والذي لم يعد مجرد مواجهة أو ملاحقة أو عزل أو حصار أو اقتحام بل حرب قذرة مدمرة ضد شعب عربي أعزل هو جزء من أمة عربية لا تعرف من هي وأين هي، كيف يمكن ان ترفرف اعلام العدو المعتدي الذي يحارب بجيشه النظامي وبكل اسلحته الثقيلة والمدمرة؟ كيف يمكن ان ترفرف فوق مدن عربية تدعي انها جزء من أمة عربية واحدة وتنشد صباح مساء بلاد العُرب أوطاني من الشام لبغدان ومن نجد الى عدن الى مصر فتطوان.. وكيف يمكن ان يكون بين دول عربية وهذا العدو الذي أعلن الحرب ويشنها برا وبحرا وجوا ويخوض معارك عسكرية وقتالية ويغيرون على مقرات السلطة الفلسطينية ومباني اداراتها ورجال امنها وحتى مكتب ومنزل رئيسها، كيف يمكن ان تكون بين هذا العدو وبين دول عربية هي جزء من هذه الأمة الساكنة الصامتة معاهدات سلام بعد ان بقيت هي الطرف الوحيد الذي يعتمدها ويتمسك بها ويصدقها ويشحذ السلاح باسمها مثلما يشحذ الشحاذون على وصفة طبيب! اسئلة كثيرة سألها في سره محمود احمد مرمش ابن الواحد والعشرين عاما وهو يشهد جنازة طفل عمره اربعة أشهر وعندما عجز عن الجواب عن أي سؤال منها اشترى لأمه علبة حلوى وكتب لها رسالة وداع بدموع عينيه وتمنطق حزامه المتفجر اذ ضاقت به الأرض ومن عليها فما وجد الا السماء يسافر اليها لعله يجد من يجيب عن اسئلة كثيرة تغلي في قلبه وتفور في قلب كل عربي يحمل على كتفيه جنازة محمود احمد مرمش ويستعد لحمل ألف جنازة جديدة لألف محمود احمد مرمش ينتظرون... وهكذا كان ينتظر سعيد حسن حسين الحوتري ابن الـ 22 عاما دوره في كتيبة شهداء التحرير ولم تتعلم اسرائيل وجنرالها شارون الدرس بعد ولم تصل الى عقلها وعقله الرسالة. ان آخر مدفع تملكه اسرائيل اليوم هو شارون أو الجنرال ارييل شارون، استخدمته اسرائيل في أوقات كثيرة وفي اراض عربية عديدة ليدمر ويقتل ويذبح ويقف وراء كل حركة تقاوم السلام وتعارض الانسحاب وتحتل المزيد من الاراضي وتبني الكثير من المستوطنات، واليوم هذا المدفع قوض مرة واحدة كل عملية السلام وقضى على أي أمل في الوصول الى اتفاق أو معاهدة مع الفلسطينيين أو السوريين أو اللبنانيين بل وهدد بضرب السد العالي في مصر والذي تربطه بها معاهدة سلام. حاولت اسرائيل ان تفعل ذلك في حكومة نتنياهو ولكنها لم تنجح فجاء باراك في الوقت الضائع لتمييع الصورة فلا حرب ولا سلم، وعندما حان الوقت واتخذت اسرائيل قرارها لم يكن أمامها سوى المدفع الاخير الذي تملكه وهو ارييل شارون وكان قرار اسرائيل ان لا سلام مع العرب بل عودة الى الاحلام التوراتية، اسرائيل من النيل الى الفرات في ارض يحكمها ويعيش فيها شعب الله المختار بعد ان يتم تهجير أو تدمير آخر عربي يعيش فوقها.

كل ذلك والعرب عيونهم على البيت الأبيض في واشنطن وعلى الغرب وعلى أوروبا وعلى الرأي العام العالمي وعلى الأمم المتحدة وأمينها المغلوب على أمره المكبل بسلاسل القطب الأوحد، كوفي عنان.

عيون العرب على الخارج تشكو وترجو وتدعو وتطالب حتى بقوات دولية ان تأتي لتحمي العرب من هذا المدفع الذي يصب صباح مساء حممه على مدنهم واسواقهم وبيوتهم فيخرب ويدمر ويقتل.

عيون العرب على الخارج واذا اتجهت الى الداخل فهي تحدق فقط في شاشات التلفزيون وما يعرض من مشاهد اصبحت اطول مسلسل يتابعه العرب بعد مسلسل «كساندرا» المكسيكي. وينتظرون توقيت نشرات الاخبار مثلما كانوا ينتظرون توقيت المسلسل الذي التف العرب حوله من المحيط الى الخليج كرمال عيون «كساندرا» والآن كرمال عيون الفلسطينيين..

المدفع الأخير الذي تملكه اسرائيل قوض عملية السلام ومفاوضات السلام وكل أحلام العرب في السلام. إنهم لا يرون الآن إلا شعبا أعزل من السلاح يواجه جيشا يشن عليه حربا من الأرض والجو والبحر وبكل أنواع وأشكال الأسلحة الفتاكة والمحرمة دوليا وبطائرات الفانتوم والقاذفة التي تستخدم فقط في الحروب بين الدول وليس في صد مظاهرة أو ملاحقة فدائي أو اغتيال قيادي أو هدم بيت تسكنه أم تحضن طفلها الرضيع.

آخر فدائي فجر نفسه ولعله فعل ذلك لأنه لم يجد من يجيبه عن سؤال يحرق قلبه بعد ان ذهب عصمت عبد المجيد وجاء عمرو موسى وفي قلب كل منهما نفس الحرقة والألم والعذاب أين هي المعاهدة التي تسمى معاهدة الدفاع العربي المشترك وهي معاهدة وقعت عليها جميع الدول العربية ومفادها انه اذا وقع اعتداء على احدى دولها فكأنه وقع عليها جميعا وخريطة الوطن العربي في الكتب المدرسية وكما يتعلمها كل التلاميذ في المدارس العربية تضم فلسطين ايضا فهل يخبرنا الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية التي تحفظ هذه الوثيقة في خزائنها اذا كانت هذه المعاهدة لا تزال نافذة المفعول أم ان صلاحيتها قد انتهت؟! ليس ذلك الفدائي الشهيد وحده يسأل هذا السؤال وانما معه الأمة العربية كلها تريد ان تسمع الجواب، فاذا كان الجواب بالايجاب أليس من الواجب ان نذكر بها اسرائيل ونذكر بها اميركا ونذكر بها أوروبë«ذكر بها كوفي عنان بل ونذكر بها العرب النيام، لعل التذكير بها ينفع في اخراس صوت آخر مدفع تملكه اسرائيل..! واذا كانت الذكرى تنفع المؤمنين فلعلها هذه المرة تنفع الغافلين والضالين والذين ما عادوا يفرقون أو يميزون بين الحجر والبشر لان قلوبهم أقسى من الحجر هذا اذا كانوا يملكون اصلاً قلوبا في صدورهم وعقولا في رؤوسهم...!

* كاتب وإعلامي سوري