الحضارة الإسلامية.. وتنوع الألسنة واللغات

TT

محمد عمارة في إطار الحضارة الإسلامية تتنوع الألسنة واللغات ـ أي القوميات ـ وتتنوع الشرائع الدينية ـ أي الديانات ـ وتظل الحضارة الاسلامية المحيط الجامع لهذا التنوع، الذي هو سنة من سنن الله، التي لا تبديل لها ولا تحويل.

وبسبب من هذه الحقيقة، كان «الفرز» الطبيعي في صفوف الأمة وتياراتها الفكرية هو بين «شرق ـ اسلامي» و«غرب ـ استعماري».. وكان التغريب، ذوبانا في الغرب الوضعي العلماني، والحاقا والتحاقا بهذا الغرب، على حساب الحضارة الاسلامية، التي ورثت كل مواريث الأطوار الحضارية التي سبقتها، والتي شارك في بنائها كل أبناء الشرق، على اختلاف قومياتهم ودياناتهم. وكثيرون، من ابناء الأقليات الدينية النصرانية، قد وعوا هذه الحقيقة، حقيقة توحيد الاسلام للأمة مع تعدد دياناتها، وجمع الحضارة الاسلامية لكل ابناء الشرق على مشروع حضاري اسلامي، هو صناعة شرقية، وبديل شرقي للتغريب الاستعماري صاغته منظومة القيم الايمانية، التي اتفقت فيها كل الديانات.

وانطلاقا من هذه الحقيقة، يقول الأنبا «يوحنا قلته» نائب البطرك الكاثوليكي بمصر: «اوافق تماما ان اكون مصريا مسيحيا عضوا في الحضارة الاسلامية، بل انا مسلم ثقافة مائة في المائة.. فكلنا مسلمون حضارة وثقافة، وانه ليشرفني وافتخر انني مسيحي عربي، أعيش في بلد اسلامي، واساهم وأبني، مع جميع المواطنين، هذه الحضارة الاسلامية الرائعة، التي تجعل الدولة الاسلامية تحارب لتحرير الاسير المسيحي، والتي تعلي من قيمة الانسان كخليفة لله في الأرض».

وتأكيدا لهذه الحقيقة ـ حقيقة اسلامية المشروع الحضاري الشرقي ـ وسداً لثغرات اختراق الغرب لهذا المشروع، وتعويقه باللعب بأوراق الاقليات ـ يقول الكاتب القبطي المصري الدكتور غالي شكري: «ان الحضارة الاسلامية هي الانتماء الاساسي لأقباط مصر، وعلى الشباب القبطي ان يدرك جيدا ان هذه الحضارة العربية الاسلامية هي حضارته الاساسية، انها الانتماء الاساسي لكافة المواطنين.. صحيح ان لدينا حضارات عديدة، من الفرعونية الى اليوم، ولكن الحضارة العربية الاسلامية قد ورثت كل ما سبقها من حضارات، وأصبحت هي الانتماء الأساسي، والذي بدونه يصبح المواطن في ضياع.. اننا ننتمي، كعرب من مصر، الى الاسلام الحضاري والثقافي، وبدون هذا الانتماء نصبح في ضياع مطلق. وهذا الانتماء لا يتعارض مطلقا مع العقيدة الدينية.. بالعكس.. لماذا؟ لأن الإسلام وحد العرب، وكان عاملاً توحيديا للشعوب والقبائل والمذاهب والعقائد..».

هكذا كان «الفرز»، تاريخيا، بين شرق حضاري وغرب استعماري.. فلقد عاش هذا الشرق ـ منذ وعينا بالتاريخ ـ سبعة عشر قرنا من صدام الحضارات فلقد هيمن الغرب الاغريقي والروماني على الشرق ـ قبل الإسلام ـ عشرة قرون منذ الاسكندر.. في القرن الرابع قبل الميلاد.. وحتى الفتح التحريري الاسلامي في القرن السابع للميلاد. وقرنان هما عمر الحروب الصليبية ـ وخمسة قرون، منذ سقوط غرناطة ـ 1492 حتى هذا التاريخ!.. ولقد قال القائد الانجليزي جلوب باشا: «ان تاريخ مشكلة الشرق الأوسط انما يعود الى القرن السابع للميلاد»، أي أن مشكلة الغرب مع الشرق، وسبب العداء المعلن من الغرب للشرق، انما هو تميز المشروع الحضاري الشرقي بالإسلام!.