احذروا مقالب التكنولوجيا

TT

اصبح من المألوف في المسارح والمحافل والندوات والحفلات الموسيقية ان يظهر على المسرح اولا من يطلب من الجمهور ان يغلقوا تلفوناتهم الجوالة وساعاتهم المنبهة، وكل ما قد يخطر له من الآلات والمعدات ان يطنطن ويرنن حسب هواه في احرج الاوقات. هذا ما حدث عندما كنت اصلي في مسجد آل البيت بلندن وراح التلفون الجوال لأحد المصلين يترنم بلحن «جنكل بلس، جنكلز بلس، جنكل أوول ذوي»، اللحن الذي يغنيه النصارى الانجليز في ايام الكرسمس.

هذه الادوات الصوتية التي اخترعت اولا لزيادة كسب الشركات وثانيا واخيرا لمساعدة المواطن العادي، اصبحت تنغص حياتنا عندما تنطلق في القطارات والحافلات والمحلات العامة.

ونسمع مثل هذا الحوار من حامل الجوال عندئذ، «وش طابخة اليوم؟ ها! باميا تقولين؟ بارك الله فيك. بس ما تنسين الثوم...» تنتهي هذه المكالمة ويبدأ جوال آخر بالعمل، «انا الآن في القطار، وصلنا محطة كلابم. أوه! لا، لا. غلطت. لا والله محطة ومبلدن سامحني بالغلط، تصورتها كلابم، لكن لا كانت ومبلدن. فاكرها؟ هذي المنطقة المليانة هنود اعوذ بالله... لا لا، لا والله سامحني هذي كانت كلابم تمام. لكن بعد شوية نمر بومبلدن.. هذي اللي يسكن فيها هذا الكلب خالد القشطيني..».

ازعج من كل هذه المعدات الاتصالية، الدمى والعرائس واللعب الالكترونية. كادت السيدة جنكنز بلندن ان تهدم كل بيتها بسبب علبة بسكويت كسائر السيدات الانجليزيات، تفضل ماري جنكنز سلامة القطة على سلامة بيتها، ومن دون شك على سلامة زوجها. قضت يوما كاملا تسمع مواء قطة محبوسة في مكان ما. فتشت عنها في كل مكان، ثم نادت على حمالين ليرفعوا الاثاث فلم يجدوها، نادت على الاطفائية فجاءوا بسلالمهم وخراطيمهم ولم يجدوها. نادت على بنّاء هدم جدار الحمام وكاد يهد سقوف البيت بحثا عن القطة ولم يجدها. اخيرا تذكرت السيدة جنكنز ان اصحابها جاءوها بهدايا لميلادها. فتشت فيها فإذا بها تجد علبة بسكويت تعطي مواء القطط عندما تنفتح! اذا كانت ماري جنكنز قد اوشكت على هدم بيتها بسبب لعبة الكترونية، فإنني اوشكت ان اسقط طائرة الخطوط الفرنسية بسبب لعبة مشابهة اشتريتها في القاهرة. انها دمية ترقص رقصا شرقيا بهز البطن وتغني: «يا الله رقصني شويه! يا الله طبّل لي شويه! يا الله قسّم لي شويه!». وضعتها في حقيبتي اليدوية ولكن ما ان انطلقت بنا الطائرة وانخفض الضغط حتى بدأت الدمية تغني وتطبّل وتقسّم: «يا الله رقصني شويه». نظر المسافر الجالس ورائي فتصور انني انا الذي كنت اغني ذلك، فتهللت اساريره متوقعا مني ان اقف بعد قليل وسط الطائرة وابدأ ارقص واهز بطني.

اما المضيفة فقد تصورت انها هي المقصودة بالغناء وعليها ان تستجيب لطلبي حسب تعهدات الشركة بتلبية طلبات المسافرين وخدمتهم فترقص وتهز بطنها، بالطبع سادت الفوضى لعدة دقائق حتى استطعت انزال الحقيبة وفتحها واسكات الدمية الصينية الصنع. وهو أمر آخر حيرني. سمعنا ان جل الراقصات الشرقيات اخذنا نستوردهن من روسيا. والآن حتى الدمى الرقاصة رحنا نستوردها من الصين. ما الذي بقي من هز البطن الشرقي إذن؟ هل بقي محصورا بزعمائنا الوطنيين؟

والآن لا بد ان يتساءل القارئ، ما الذي تريده يا استاذ خالد من هذه الدمية الرقاصة التي اشتريتها؟ لي فيها هذا الغرض، اصطحبها معي الآن لكل هذه الاجتماعات السياسية والندوات الفكرية، حيثما يبدأ المتحدث بالكلام عن الحرية والاستعمار وحقوق الانسان، اشغل الدمية واجعلها تنطلق وتغني «رقصني شويه شويه! طبل لي شويه شويه».